وسط تحذيرات من كارثة غير مسبوقة واضطراب أكثر ظلمة من حقبة الحرب الباردة، فرضت الحكومة الصينية أمس "سيطرتها" على قنصلية الأميركية في شنغدو بعد ثلاثة أيام من إصدارها أمراً بإغلاقها في خطوة انتقامية رداً على إجراء مماثل اتخذته الولايات المتحدة بحق قنصليتها في هيوستن.وأكدت وزارة الخارجية الصينية، أن "السلطات أغلقت القنصلية ودخلت لاحقاً من المدخل الأمامي وسيطرت عليها"، فيما أزالت الشرطة حاجزاً يمنع الوصول إليها.
وأظهر تسجيل مصوّر نشرته السفارة الأميركية عناصر من قوات المارينز ببزات رسمية ينزلون العلم من أمام القنصلية ويقومون بطيّه، قبل تسليمه للقنصل العام جيم موليناكس.وقبل أن تغلق أبوابها، توجه عدد من سكان شنغدو أمس الأول، إلى مقر القنصلية الأميركية لالتقاط الصور ورفع الأعلام الصينية إلى جانبها، وسط حضور أمني كثيف.وأفاد متحدث باسم الخارجية الأميركية بأن الدبلوماسيين العاملين في القنصلية وأفراد عائلاتهم سيغادرون الصين بحلول 27 أغسطس المقبل.وارتفع منسوب التوتر في العلاقات الصينية-الأميركية، التي تسممها أصلاً حرب تجارية وتبادل اتهامات بالمسؤولية عن تفشي فيروس كورونا وغيرها، بعد إعطاء إدارة الرئيس دونالد ترامب الثلاثاء الماضي مهلة 72 ساعة لإغلاق القنصلية الصينية في هيوستن في تكساس، باعتبار أنها مركز للتجسس.وحذّرت صحيفة "غلوبال تايمز" المقرّبة من الحكومة الصينية، في افتتاحية أمس، من أن "القرن الـ21 سيكون أكثر ظلمة واضطراباً من حقبة الحرب الباردة إذا كانت واشنطن عازمة على دفع العلاقات في الاتجاه الأسوأ"، متوقعة بأن يتسبب التوتر بـ"كارثة غير مسبوقة".واتهم الناطق باسم الخارجية الصينية وانغ وينبين بعض الموظفين الأميركيين في قنصلية شينغدو "بالانخراط في أنشطة خارج صلاحياتهم وتدخلوا في شؤون الصين وعرّضوا أمنها ومصالحها للخطر".وحمل وزير الخارجية الصيني وانغ يي واشنطن مسؤولية تدهور العلاقات. وقال: "الموقف الصعب الراهن في العلاقات ناجم بالكامل عن تصرفات الولايات المتحدة، وهدفها هو عرقلة تطور الصين".وغادر آخر الدبلوماسيين الصينيين قنصلية هيوستن الجمعة الماضي. وأعلنت الصين أن عناصر أميركيين دخلوا "بالقوة" قنصلية هيوستن التي وصفتها بأنها ضمن "أملاك صينية وطنية". وحذّرت في بيانها من أن "الصين سترد بالشكل المناسب والضروري" على ذلك.
مركز تجسس
في المقابل، أشار مسؤولون أميركيون إلى جهود غير مقبولة تقوم بها القنصلية الصينية في هيوستن لسرقة أسرار الشركات والأبحاث الطبية والعلمية.وحث المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض جون أوليوت "الحزب الشيوعي الصيني على وقف هذه الأعمال الخبيثة بدلاً من الرد بالمثل".وفي وقت سابق، كشف مسؤول بوزارة العدل أن باحثة صينية تُدعى جوان تانغ كانت قد لجأت إلى قنصلية بكين في سان فرانسيسكو نُقلت إلى مركز احتجاز يوم الخميس، موضحاً أنها جزء من مجموعة أفراد أخفوا انتسابهم للجيش عندما تقدموا للحصول على تأشيرات.وقال وزير الخارجية مايك بومبيو يوم الخميس الماضي، إن قنصلية هيوستن كانت "مركزاً للتجسس وسرقة الملكية الفكرية"، مضيفاً أنه يجب على الولايات المتحدة وحلفائها استخدام "طرق أكثر ابتكاراً وحزماً" للضغط على الحزب الشيوعي الصيني لتغيير أساليبه.وقال ناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية: "نشعر بخيبة الأمل من قرار الحزب الشيوعي الصيني وسنبذل جهدنا لنواصل تقديم خدماتنا للناس في هذه المنطقة المهمة عبر مواقعنا الأخرى".ونشرت السفارة الأميركية مقطع فيديو بالصينية على "تويتر" وقالت: "تشرفت سفارة الولايات المتحدة في شينغدو بتشجيع التفاهم المتبادل بين الأميركيين والناس في سيتشوان وتشونغتشينغ وقويتشو ويوننان والتبت منذ 1985"، مضيفة: "اليوم نودعكم وسنشتاق إليكم إلى الأبد".وفي بيان منفصل، أفاد القنصل العام أن بعثته كانت تقدم خدمات لأكثر من 200 مليون شخص في جنوب غرب الصين ومنطقة التيبت وأنها منحت "آلاف" التأشيرات يومياً للطلبة والسياح الصينيين.خطف وهمي
وتراجعت العلاقات الأميركية الصينية إلى أسوأ حالاتها في عقود بسبب مجموعة من قضايا تشمل التجارة والتكنولوجيا وجائحة كورونا ومطالبات الصين بالسيادة في بحر الصين الجنوبي وحملتها القمعية في هونغ كونغ.وفي أستراليا، حذرت الشرطة أمس، من أن الطلاب الصينيين مستهدفون بعمليات احتيال بـ"الاختطاف الافتراضي" بملايين الدولارات، مؤكدة تلقيها 8 بلاغات وهمية على الأقل هذا العام في إطار أعمال ابتزاز عالمية متقنة.ووفق شرطة ولاية نيو ساوث ويلز، فإن العملية تبدأ عادة باتصال المحتال بالطلاب الصينيين الشباب ويتحدث لغة الماندرين ويدعي أنه من الحكومة ويهدد الضحايا بخطر اتخاذ إجراء قانوني واحتمال القبض عليهم في الصين، وإقناعهم بتحويل الأموال أو تزييف عملية خطفهم وابتزاز الأموال من أسرهم.