أصدر مركز البحوث والدراسات الكويتية موسوعةً تاريخية جديدة بمناسبة مرور الذكرى الثلاثين لجريمة الغزو العراقي لدولة الكويت، وحملت عنوان "تاريخ الغزو العراقي لدولة الكويت: المقدمات والأحداث والتوابع من خلال الوثائق والشهادات الرسمية والأهلية"، والتي تتكون من ستة مجلدات من إعداد د. فيصل عادل الوزان.

وجاء في تصدير الكتاب، الذي كتبه رئيس مركز البحوث والدراسات الكويتية الأستاذ الدكتور عبدالله يوسف الغنيم: "نصت المادة الثانية من المرسوم الأميري رقم 178/92 في شأن مركز البحوث والدراسات الكويتية، أن يقوم المركز بجمع وحفظ مختلف الوثائق والدراسات المتعلقة بالعدوان العراقي على دولة الكويت عام 1990م من كافة المصادر، وأن يتناولها بالتحليل والتقصي العلمي الدقيق، وينشر ما يتعلق بذلك العدوان الغاشم توثيقاً لأهدافه وآثاره وتداعياته". وقد حرص المركز منذ إنشائه على تحقيق تلك الأهداف؛ فأصدر ما يزيد على أربعين كتابا ودراسة تناولت هذا الموضوع بلغات عديدة؛ من بينها كتاب "المقاومة الكويتية من خلال الوثائق العراقية"، وكتاب "تدمير آبار النفط في الوثائق العراقية"، بالإضافة إلى الكتب التي تناولت القرارات الدولية ذات الصلة والوضع القانوني للكويت.

Ad

وكان كتاب "الكويت وجوداً وحدودا" باكورة تلك الدراسات العلمية الموضوعية المعتمدة على الوثائق والحجج القانونية التي تدحض افتراءات النظام العراقي وادعاءاته الباطلة. وقام المركز في سبيل ذلك بإجراء مقابلات وتسجيلات مع الوزراء والمسؤولين لتوثيق أحداث تلك الفترة، وقام بتوزيع استمارة بعنوان "سجل التحدي" على عدد كبير من المواطنين لمعرفة مجريات الحياة اليومية وحوادثها في الكويت في أثناء الاحتلال العراقي، وبيان ما قاموا به من صمود ومقاومة وما لحق بهم من أذى وتنكيل من خلال إفادات أهالي الكويت الذين عاشوا هذه الفترة المؤلمة من تاريخ الكويت.

موسوعة شاملة

وأضاف الغنيم: "واستكمالاً لمسيرة التوثيق التي انتهجها المركز لهذا الحدث بالغ الأهمية يأتي هذا الكتاب الذي يقع في ستة مجلدات؛ ليكون بمثابة موسوعة شاملة عن أحداث الغزو العراقي؛ فهو يوثق أعمال حكومة الكويت أثناء عملها في الطائف، والجهود المختلفة التي بذلتها القيادة الكويتية لكسب التأييد الدولي، وحشد القوى العالمية لمؤازرة الكويت، ومواجهة العدوان العراقي ودحره".

ويتناول الكتاب أيضاً المؤتمر الشعبي بجدة، وما اتخذه من قرارات وتوصيات كان لها صداها وأثرها على المستويين المحلي والعالمي، ويختتم الكتاب بحرب تحرير الكويت (عاصفة الصحراء) التي انطلقت في السادس عشر من يناير 1991م، وانتهت بالتحرير الشامل للأراضي الكويتية، وما تبع ذلك من عمليات إعادة الحياة وإعمار الكويت من جديد.

منعطف تاريخي

وجاء في المقدمة التي كتبها د. فيصل عادل الوزان: "يوثِّقُ هذا الكتابُ جزءاً مهماً من تاريخ الكويت المعاصر، يمثلُ منعطفاً تاريخياً وحدثاً جللاً كادت بسببه أن تختفي دولة الكويت لولا لطف الله، ألا وهو الغزو والاحتلال العراقي في عهد صدام حسين. هذا الغزو على دول الكويت الذي بدأ في تاريخ 2 أغسطس 1990م وانتهى بعد حوالي سبعة أشهر في تاريخ 26 فبراير 1991م".

وأضاف الوزان: "لقد مرَّت دولةُ الكويت شعباً وحكومةً بتجربة مريرة وأليمة، ذاقت فيها طعم الغدر والخيانة والفَقْد، حيث عانى شعبها من وطأة الاحتلال العراقي الغاشم من شتى النواحي. ذلك الاحتلال الذي حاول بشكل مُمَنهج إلغاءَ هويتهم وانتمائهم ومسح خريطة دولتهم، لولا أن ثبَّتَ الله هذا الشعب وقيادته أمام هذا التحدي العظيم فتغلبوا عليه. إنها قصة غدر المسلم بالمسلم، والجار بالجار، وهي كذلك قصة كفاح وصمود ومقاومة وتضحية، بل هي ملحمة سطرها شعب الكويت الأبيّ. فحري بها أن تُسَجَّلَ وتُوَثَّق وتُخدم بكل الإمكانات المتاحة وباستخدام الوثائق الأصلية التي دُوِّنت في ذلك الزمن".

وعن هذه التجربة القاسية، قال الوزان إنها غنية بالدروس والعبر التي دخلت ضمن رصيد خبرات الشعب الكويتي، حيث وُضع الكويتيون شعباً وحكومة على المحك، فظهر معدنهم الأصيل، وقدرتهم على التكيف والتعاون والتكاتف والتكافل، والعيش في ظل ظروف صعبة، فتدبروا أمر معيشتهم، وعملوا أعمالا لم يكونوا يقومون بها عادة قبل الاحتلال. فبرهنت هذه التجربة على أن الرفاهية لم تُعِق الكويتيين عن أداء كل الأعمال؛ من مقاومة مسلحة، وعصيان مدني للمحتل، وعمل استخباري ولوجستي، وإخفاء وتهريب للأفراد والأشياء الضرورية، بالإضافة إلى الأعمال المدنية مثل توزيع المؤن الغذائية وصنع المخبوزات، وتوزيع الأموال، والقيام بأعمال النظافة العامة ورفع النفايات من الشوارع، وأعمال الطبابة، وغيرها مما سنتناوله في هذا الكتاب.

ويستطرد في الحديث عن فترة الغزو العراقي، ويقول ضمن هذا السياق، تُمثِّلُ تجربة الغزو العراقي نقطة تطور في سياسة الكويت الخارجية، حيث تعلمت دروساً كثيرة تخص العمل الدبلوماسي وأساليبه، وزادت معرفتها بأهمية الإبقاء على التوازنات الدولية، وأهمية لعب دور صانع السلام بين الدول، وضرورة الحضور المكثف في المحافل الدولية، واستخدام القوة الناعمة، والتعاون مع المنظمات الدولية، وتأكيد أهمية الكويت في العمل الخيري، ودعم البحث العلمي. وبرهنت أحداث العدوان العراقي أيضا على قوة وصبر الشعب الكويتي وتلاحمه بكل فئاته، حيث ذابت تلك الفروقات الشكلية، وزادت مشاعر الإخلاص للوطن والإخاء بين المواطنين، والولاء للقيادة السياسية والإيمان بقضاء الله وقدره وبنصره. وبالتالي فإن تلك التجربة تُعَدُّ مضرب المثل دائما عندما تمر فترات توتر وفتنة على بلادنا، لتذكِّرَ الكويتيين أنهم شعبٌ ليس له سوى وطنه، ولا راع له سوى قيادته.

وخلص إلى القول: "إن توثيق تاريخ الكويت في فترة الاحتلال العراقي الغاشم لهو تخليدٌ لذكر أبطال الصمود والمقاومة والتحرير في الداخل والخارج؛ المعروفةِ أسماؤهم والجنود المجهولين. إنه حق أصيل لهم، وواجب على الأجيال اللاحقة عدم نسيانهم، فما فعله الكويتيون من تضحية وصمود ومقاومة لإرجاع سيادة دولة الكويت قد كفل لهم المعيشة بأمن وطمأنينة في ظل دولة مستقلة وقيادة حليمة حكيمة من أسرة الصباح".