تعليق على أحكام الطعون الانتخابية بجداول الناخبين
أصدرت محكمة الطعون الانتخابية الدائرة الثالثة بالمحكمة الكُلية، المكوَّنة من قاضٍ منفرد، أحكامها في ثمانية طعون انتخابية قُدمت أمامها، وذلك بجلستها في 21/7/2020، وجاءت جميع الأحكام متماثلة ومستنسَخة بعضها عن بعض، وورد بمنطوقها ما يلي: "حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، ورفضه موضوعاً". وذكرت المحكمة سبباً مقتضباً وركيكاً ومخالفاً للواقع وللقانون لرفضها الطعون، جاء فيه: "وكان الثابت من صحيفة الطعن أنها جاءت مجهّلة، وأسبابها مرسلة لم تذكر واقعة محددة أو قيداً من القيود الانتخابية، التي يدَّعي الطاعن مخالفتها للقانون، وإنما اعتصم بالمحكمة، طالباً منها تمكينه من مطالعة كل الجداول الانتخابية للبحث عن عيوب ظنية أو محتملة لم يقوَ على تقديم دليل على صحتها، فإن أصل الصحة ينسحب على الجداول الانتخابية محل الطعن الماثل، وتضحى تلك الجداول سليمة مبرأة من العيوب، وحجتها على الكافة، ولا تنفك عنها تلك الحجة إلا بثبوت تزويرها قانوناً". ولا شك في أن الحُكم محل التعليق فيما انتهى إليه جاء معتلاً في تسبيبه الواهي، الذي لا يكاد يكون قائماً وكافياً لحمل الحُكم على الصحة ويكسبه الحجية، ونورد التعليق عليه بالأمور الآتية:
1- لقد امتنعت المحكمة عن إجابة الطاعنين عن طلبات جوهرية كانت ستسعفها في الإحاطة بتفاصيل وقائع الطعون وأدلتها، وتكوين عقيدتها بشأن صحة الطعون ومتانتها، بدلاً من القصور في التسبيب والمخالفة لأحكام القانون، الذي شاب حُكمها، والطلبات هي: استخراج "سي دي" من إدارة الانتخابات و"المعلومات المدنية" بأسماء الناخبين، واستجواب مدير إدارة الانتخابات، لتأكيد ما لحق القيود من عوار، والاستماع لشهادة خبير قيود وبيانات الناخبين أ. صلاح الجاسم. 2- يُعاب على حُكم المحكمة مجافاته لأحكام القانون وللحقيقة، وما قدم للمحكمة من أدلة تثبت أن مئات الأسماء هي قيود لناخبين غير صحيحة ومخالفة للقانون.3- استعصى على القاضي أن يرد على الأسباب العامة للطعن، لأنها حجج متراصة ومتماسكة وقوية تسقط كامل القيود الانتخابية، خصوصاً مع عدم تقديم "الداخلية" دليلاً واحداً للرد عليها وتفنيدها، فما كان من المحكمة إلا تجنب بحث هذه الأسباب برمتها، وكأنها غير موجودة.4- إن المحكمة، وقد انتهت لرفض الطعون، تظن أنها بمنأى عن الرقابة على حكمها، وقد فاتها أن التعقيب على حكمها متيسر بالطعن بالبطلان لإغفال طلبات جوهرية ولعوار قانوني بتشكيلها، وكذلك لعدم الرد على الأسباب العامة للطعون المقدمة، ولأن بعض الطعون تضمنت دفوعاً بعدم دستورية تشكيلها، وهو ما سينقل الأمر للمحكمة الدستورية.٥- استند الحُكم إلى افتراض غير سديد وغير موجود، يتمثل في أن مَنْ ينتقل من دائرة لأخرى يعبئ نموذجاً يدعم صحة طلب انتقاله، وهو افتراض داحض، فلم تقدم "الداخلية" في دفاعها، نموذجاً واحداً لطلب نقل قيد أي ناخب من الأسماء، التي قدمناها بالمئات للمحكمة! فمن أين أتت المحكمة بذلك، وهي لم يُقدم أمامها دليل واحد بنموذج طلب النقل. فهل يقضي القاضي بعلمه؟! وذلك عوار أصولي جسيم، أم يقضي بما قدم أمامه من أوراق، وهي خلواً من كل ذلك؟! فكيف له أن يكوِّن قناعته ودون دليل مما قدم أمامه من مستندات وأوراق؟!6- خالف القاضي في حكمه أساس اختصاصه، بقول مرسل، وهو أن حجة السلامة والصحة لا تنفك عن تلك الجداول "إلا بثبوت تزويرها قانوناً"، فقد استلزم تقديم دليل للإثبات خلافاً لمناط اختصاصه، ألا وهو "تزوير القيود"، وهو ما لم يتطلبه قانون الانتخابات، مما يعني أنه خالف حُكم القانون، الذي هو أساس اختصاصه ومناط ولايته بالطعون على القيود. وسيكون لنا تعليق مفصل على الحُكم قريباً.