في شأن تحويل أي معلم ديني إلى مسمى جديد
انطلافا من مبادئ الدين الإسلامي والأعراف الأخلاقية الإنسانية الشاملة فإننا من حيث المبدأ نعارض تحويل الكنائس إلى مساجد وتحويل المساجد إلى كنائس، كما أننا ضد الضغط أو الإكراه أو الإغراء في تحويل البشر من ديانتهم ومعتقداتهم إلى ديانات ومعتقدات أخرى، فحرية الاعتقاد يفترض أن تكون مكفولة ومضمونة لجميع البشر، كما أن وجود ممارسات خاطئة من هذا النوع سواء في الماضي أو الحاضر يجب ألا تكون مبرراً أو حجة مقبولة في القيام بتلك الممارسات الخاطئة ضد الآخرين اليوم، لأن العدوان لا يمكن رده بالعدوان تماما في رفض أن تكون محاربة السرقة بسرقة مماثلة، بل بمنع حدوثها وإدانة فعلها. لذلك فإنه من غير المقبول تبرير الخطأ بالقيام بمثله، وفي سياق تحويل الكنائس إلى مساجد عبر التاريخ، والذي يجري الكلام كثيرا حولها الآن، علينا رغم عدم موافقتنا على ذلك اليوم مهما كانت الظروف، النظر إليها ضمن الظرف التاريخي والمكان والزمان، وفي هذا السياق وجدنا من المناسب أن نلقي الضوء على معلومات مجهولة للعامة عن حجم العبث بالمساجد والمنشآت الدينية العثمانية خلال المئتي عام الأخيرة، مستعرضا دراسة موثقة نشرتها بالتفصيل فصلية فاكتور (Faktor) الصادرة في البوسنة والتي قام بها مؤرخ وباحث آثار تركي معروف هو محمد أمين يلماز.
قام بالبحث والتنقيب الميداني وعلى مدى خمسة أعوام في أرشيفات وموثقات 18 بلدا، في البلقان والقفقاس، وأثبت أن هناك 329 مسجداً أو تكية عثمانية جرى تحويلها إلى كنائس، ومن هذه الدول: اليونان وقبرص (الجنوبية) وأرمينيا وجورجيا وصربيا وكوسوفو ومقدونيا وبلغاريا ورومانيا ومولدافيا وكرواتيا والبوسنة والهرسك وأوكرانيا وروسيا والقرم، وأشار يلماز في تحقيقاته الموثقة، أنه في بلغاريا ذاتها تم تحويل 117مسجداً و7 تكايا ومكتبة إلى كنائس، وفي كرواتيا تم تحويل 8 مساجد، وفي كوسوفو مسجد واحد وتكية واحدة، وفي مقدونيا 3 مساجد، وجرى تدمير مقبرتين إسلاميتين، أما في صربيا فجرى تحويل 15 مسجداً ومقبرتين، وفي البوسنة تم تحويل 3 مساجد، أما في هنغاريا فتم تحويل 23 مسجداً جرى توثيق أسمائها وتاريخ تحويلها القسري إلى كنائس.أما في اليونان التي تخلو اليوم من أي معلم إسلامي، حيث جرى تدمير أو تحويل جميع ما كان فيها من مساجد أو مظاهر إسلامية، فيشير التوثيق إلى تحويل 94 مسجداً إلى كنيسة، وتشير الوثائق إلى تفجير سبعة مساجد في يوم واحد في عاصمة بلغاريا عام 1889 ، أما في البوسنة والهرسك التي شهدت آخر جرائم الاعتداء على المساجد فقد تم تدمير قرابة ألف مسجد ومعلم إسلامي أثري. التوثيق للمؤرخ يلماز لم يشمل المساجد التي تم هدمها أو حرقها ومساواتها بالأرض أو تلك التي جرى تحويلها إلى منشآت أخرى، وعددها أكبر من هذه الأرقام بكثير، ويصل إلى قرابة عشرة آلاف مسجد أو تكية أو مقبرة أو منشأة ذات طابع إسلامي آخر. * دبلوماسي ومحلل سياسي