أدى أمس، في صعيد عرفات، نحو 10 آلاف حاج من داخل السعودية، ركن الحج الأعظم، وسط إجراءات صحية احترازية فرضت هذا العام بسبب فيروس "كورونا"، وأظهرت صور بثها التلفزيون السعودي حافلات تنقل الحجاج إلى جبل عرفات، وأدى الحجاج صلاتي الظهر والعصر في يوم عرفة جمعا وقصرا، قبل الوقوف على جبل عرفة حتى غروب الشمس.

وقضى الحجاج ليلتهم في مشعر منى، بعد قضائهم يوم التروية، وفق الإجراءات الاحترازية والوقائية لموسم حج هذا العام في مسارات منظمة، ما يحقق التباعد بين الحجاج بشكل آمن وصحي، بمرافقة مشرفين، لضمان التقيد بالتعليمات والإجراءات الوقائية.

Ad

وبعد قضاء يوم أمس، على جبل عرفات، توجه الحجاج إلى مزدلفة، على بعد نحو 9 كيلومترات غرب جبل عرفات، حيث يبيتون ليلتهم بها، وكانت مناسك الطواف والسعي في يوم التروية قد اكتملت، ونُقل الحجاج على دفعات إلى مساكنهم المعقمة في منى، قبل أن يباشروا السير إلى جبل عرفات على بعد 10 كيلومترات للوقوف على صعيد عرفات.

وأعلن المتحدث باسم وزارة الداخلية السعودية طلال الشلهوب اكتمال الاستعدادات لاستقبال الحجاج على صعيد عرفات، وأداء شعائر الحج، مؤكدا فرض طوق أمني لضبط المخالفين، وأوضح أن عمليات النقل إلى المشاعر المقدسة تتم باستخدام الحافلات، وفق تنظيم خاص يحقق الإجراءات والتدابير الاحترازية الصحية، للوقاية من الفيروس.

وخصصت وزارة الصحة السعودية 6 مستشفيات في المشاعر المقدسة، و51 عيادة، إضافة إلى 200 سيارة إسعاف، و62 فريقاً ميدانياً، وأعلن الناطق الرسمي للوزارة محمد العبدالعالي أن الحالة الصحية للحجاج مطمئنة، ولم تُسجّل أي أمراض مؤثرة على الصحة العامة ومن ضمنها "كورونا".

حج صحي

وقد يكون "كورونا" مصدر تهديد فعلي للحجاج في مكة المكرمة، لكن للمفارقة يبدو الحج هذا العام صحيا جدا مقارنة بما كان عليه في السابق، بعدما تقلصت أعداد المشاركين بشكل دراماتيكي وفرضت السلطات إجراءات وقائية صارمة.

والحج من أكبر التجمعات البشرية السنوية في العالم وبؤرة رئيسية محتملة لانتشار الأمراض، ويمثل تنظيمه في العادة تحديا لوجستيا كبيرا، حيث إن ملايين الحجاج من حول العالم يتدفقون على المواقع الدينية المزدحمة.

وغالبا ما كان يعاني الحجاج لدى عودتهم إلى ديارهم بعد نهاية مشاعر الحج من أمراض تنفسية عدة بسبب الازدحام الشديد أثناء أداء المناسك، وعدم وجود أي قيود للتباعد الجسدي أو إلزام بارتداء الكمامات.

وأكدت عالية الدليمي (60 عاما)، التي أدت فريضة الحج في 2003، انها عانت من سعال شديد استمر 3 اشهر بعد عودتها، ما أدى إلى إصابتها بالربو فيما بعد، مضيفة: "لم أتمكن من الاقتراب من الكعبة ولا تقبيل الحجر الأسود في ذلك الوقت".

لكن مناسك حج 2020 مختلفة تماما وغير مسبوقة، من توفير حصى الجمرات المعقّمة إلى العزل الفندقي والمسافة الإجبارية بين الأشخاص لدى أداء الصلوات وغيرها، ما جعل مكة تبدو وكأنها أحد أكثر المدن أمانا على مستوى الصحة في المنطقة.

مظلات ملونة

وحمل الحجاج في بداية الشعائر أمس الأول مظلات ملونة، وقاموا بالطواف في حركة متناسقة حول الكعبة بالمسجد الحرام، مع إبقاء مسافة محددة بشعارات على الأرض البيضاء، في مشهد تاريخي غير مألوف في أقدس أماكن المسلمين الذي بدا كرواق مستشفى ضخم.

وبدا المشهد مختلفا جدا عما كان عليه في السنوات الماضية حين كان يحتشد مئات الآلاف من الحجاج قرب الكعبة، ويدورون حولها وهم يتسابقون ويتدافعون أحيانا للاقتراب من البناء.

وقبل أن تعلن السعودية أن الحجاج سيكونون من داخل المملكة فقط، تمنت الدليمي على غرار ملايين الأشخاص حول العالم أن تشارك في مناسك هذا العام رغم تهديد الفيروس، بفضل قرار تقليص الأعداد وإجراءات الوقاية.

وقالت الدليمي من الكويت: "تمنيت لو كنت هذه السنة في مكة لأشهد الإجراءات الجديدة، ومنها إلزام الجميع بارتداء الكمامات لتفادي انتقال اي عدوى".

وأعلنت السلطات أن ألف شخص فقط يشاركون في المناسك، لكن وسائل الإعلام المحلية ذكرت أن الأعداد قد تصل إلى نحو 10 آلاف حاج، مقارنة بنحو 2.5 مليون مسلم شاركوا في الحج العام الماضي وقدموا من كل أنحاء العالم.

وكان الحجاج بدأوا بالوصول إلى مكة خلال عطلة نهاية الأسبوع، وخضعوا لفحص لدرجة الحرارة ووضعوا في الحجر الصحي في فنادق المدينة.

وتم تزويدهم بمجموعة من الأدوات والمستلزمات، بينها إحرام طبي ومعقّم وحصى الجمرات وكمّامات وسجّادة ومظلّة، حسب كتيّب "رحلة الحجاج" الصادر عن السلطات التي طالبتهم بعدم المصافحة ومنعتهم من لمس الكعبة.

وتوجّب إخضاع الحجاج لفحص الفيروس قبل وصولهم إلى مكة، وسيتعين عليهم أيضا الحجر الصحي بعد الحج. وقال المتحدث الرسمي لصحة منطقة مكة المكرمة حمد بن فيحان: "يتم تطبيق الإجراءات الوقائية بشكل مستمر، وبمشيئة الله ستكون مناسك الحج آمنة وصحية".

نسبة الحجاج

وتحددت نسبة غير السعوديين من المقيمين داخل المملكة بـ70 في المئة من إجمالي حجاج هذا العام، ونسبة السعوديين 30 في المئة، وهم من "الممارسين الصحيين ورجال الأمن المتعافين من الفيروس".

وكانت السعودية علقت في مارس الماضي أداء العمرة على خلفية الفيروس، وفرضت حظر تجول في مكة لأسابيع، انتشرت خلاله صور للكعبة في وسط المسجد الحرام وحيدة من دون مصلين.

وعادة ما كانت تكتظ المنطقة المحيطة بالكعبة على مدار العام بآلاف المسلمين الذين يرتدي غالبيتهم لباس الإحرام الأبيض وهم يدورون حول البناء المغلف بقماش أسود مطرز بالذهب، ما يزيد إمكانية انتقال الامراض وبينها التهاب السحايا والانفلونزا.

أهمية الكمامة

وحسب استشاري الأمراض السارية الطبيب غانم الحجيلان، فإن موسم الحج الحالي "فرصة حقيقية للسلطات السعودية لمعرفة تأثير وأهمية ارتداء الكمامات للحد من انتشار الكثير من الأمراض الفيروسية والبكتيرية في المستقبل".

ويرى البروفيسور آصف أحمد، مستشار رئيس جامعة ساوثهامبتون ومؤسس كلية أستون الطبية في بريطانيا، أن "موسم الحج هذه السنة آمن جدا في المملكة رغم تهديد كورونا" الذي أودى بحياة أكثر من 2700 من بين نحو 270 ألف إصابة مسجلة في السعودية، مضيفا: "نتائج الاجراءات التي تطبّق خلال فترة الحج ستعرف في غضون شهر من الآن".