لم يكن ينقص لبنان الغارق في أزمة اقتصادية ومعيشية حادة سوى انتكاسة على المستوى الحكومي تمثلت باستقالة وزير الخارجية والمغتربين ناصيف حتّي. فقبل ثلاثة أيام من موعد نطق المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، الحكم في قضية اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري ورفاقه، في جلسة علنية تُعقد الجمعة المقبل والمتوقّع أن يوجّه فيها الاتهام إلى العناصر الأربعة في "حزب الله" مصطفى بدر الدين (قتل في سورية في مايو عام 2016)، وسليم عياش، وحسين عنيسي وأسد صبرا، ترجم حتّي إشارات الامتعاض إزاء الأداء الحكومي، خصوصاً في ملف الإصلاح الاقتصادي والمالي والعلاقة مع المجتمع الدولي، و"خرج" من قصر "بسترس".
وبمغادرة حتّي حكومة الرئيس حسان دياب، يكون وجّه صفعة هي الأقوى إلى هذا الفريق منذ تشكيله، مع العلم أنه أصيب بنكسات كثيرة سابقاً من استقالة المدير العام لوزارة المال آلان بيفاني، أحد أعضاء الوفد اللبناني المفاوض مع صندوق النقد الدولي، شأنه في ذلك، شأن مستشار وزير المالية هنري شاوول الذي ترك مقعده إلى طاولة المفاوضات، في ضربة قوية إلى لبنان غير القادر على تنفيذ الإصلاحات المطلوبة منه دولياً. وقالت مصادر سياسية متابعة لـ"الجريدة"، أمس، إن السبب الرئيسي وراء الاستقالة هو تهميش وتحويل وزارة الخارجية إلى أشبه بالجزيرة المعزولة عن كل عمل دبلوماسي مما راكم المآخذ لديه ودفعه إلى الاستقالة".وأضافت أن "استثناء حتّي من لقاء الرئيس دياب بوزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان إضافة إلى تنامي الدور المعطى دبلوماسياً لمدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم التواصل مع بعض الدول على حساب وزارة الخارجية كانا الشعرة التي قصمت ظهر البعير وساهما بشكل مباشر باتخاذ حتّي قرار الاستقالة".وتابعت: "يضاف إلى كل ذلك تدخل رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل بكل شاردة وواردة في الوزارة ولعبه دور الوزير الظل تحديداً في موضوع الترقيات والمناقلات الدبلوماسية المنوي إجراؤها".
تعيين البديل
وفور قبول الرئيس دياب استقالة حتي بدأت الاتصالات المكثفة لتأمين خلف له. وكشفت مصادر سياسية متابعة لـ"الجريدة"، امس، ان "الحسابات السياسية الضيقة كانت حاضرة في مشاورات المسؤولين لتأمين البديل، حيث لا يحبّذ رئيس التيار الوطني النائب جبران باسيل ذهاب المنصب الى الوزير دميانوس قطار (وزير بالانابة) ويفضّل ان يؤول الى شخص يختاره رئيس الجمهورية ميشال عون". وأضافت المصادر أن "باسيل تمكن من فرض رغبته من خلال ترشيح مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الدبلوماسية شربل وهبي"، وهو ما لاقى ترحيبا من الرئيس عون، الذي اصدر بعد ظهر أمس قرار تعيين السفير وهبي وزيرا للخارجية.وكانت رئاسة الحكومة اللبنانية، أعلنت في بيان أمس، أنّ "الرئيس دياب قبل فوراً استقالة حتّي"، فيما أعلنت رئاسة الجمهورية أنّ "الرئيس عون على تشاور مع دياب لمعالجة مسألة الاستقالة".حتّي
وحاول حتّي في بيان أصدره إثر تقديمه استقالته تبديد الغموض الذي لف خلفيات قراره. هو لم يدخل في التفاصيل، لكن ماقاله ذهب إلى الأساسيات وطال الجوهرَ بالمباشر: "لبنان اليوم ليس لبنان الذي أحببناه وأردناه منارة ونموذجاً، لبنان اليوم ينزلق للتحول إلى دولة فاشلة". وأضاف حتّي: "بعد التفكير ومصارحة الذات، ولتعذّر أداء مهامي في هذه الظروف التاريخية المصيرية ونظراً لغياب رؤية للبنان الذي أؤمن به وطناً حراً مستقلاً فاعلاً ومشعاً في بيئته العربية وفي العالم، وفي غياب إرادة فاعلة في تحقيق الإصلاح الهيكلي الشامل المطلوب الذي يطالب به مجتمعنا الوطني ويدعونا المجتمع الدولي للقيام به، قررت الاستقالة من مهامي كوزير للخارجية". وختم: "شاركت في هذه الحكومة من منطلق العمل عند رب عمل واحد اسمه لبنان، فوجدت في بلدي أرباب عمل ومصالح متناقضة".جعجع
إلى ذلك، وبعدما قدّم حتّي استقالته توالت المواقف والتعليقات السياسية إزاء خطوته المفاجئة. وحيا رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع الوزير حتّي على "شفافيته وصدقه واستقامته"، مشيراً إلى أنّه "نادراً ما رأينا في لبنان وزيراً يستقيل انطلاقاً من قناعاته، بل رأينا عكس ذلك تماماً لجهة السعي المستميت من أجل التوزُّر ولو خلافاً لكل قناعاتهم، ولكل ما صرّحوا ونادوا به سابقاً".وقال جعجع في سلسلة تغريدات على حسابه في "تويتر"، أمس، إنه "بدا واضحاً جداً من خلال كتاب استقالة الوزير حتّي أن القوى السياسية الممسكة بالسلطة الفعلية ستحوِّل لبنان إلى دولة فاشلة"، معتبراً أنّ "شهادة حتّي هي بألف شهادة كونها أتت بعد ممارسة عملية استمرت أكثر من 6 أشهر ومن دون أي مصلحة سياسية مباشرة وضيقة".وختم: "لن يستقيم الوضع في لبنان طالما أن "حزب الله" و"التيار الوطني الحر" وحلفاءهما يمسكون برقاب السلطة في لبنان".كما غرّد عضو كتلة "اللقاء الديمقراطي" النائب أكرم شهيب عبر "تويتر"، أمس، قائلاً: "ماذا بقي من حكومة متحف الشمع التي وُلِدت ميتة بمصير معروف وإدارة من السلطان المتسلّط والمتمرّس بإبرام الصفقات، من سلعاتا إلى بسري... هزلت". وغرد النائب شامل روكز عبر "تويتر"، أمس، قائلاً: "تأتي استقالة وزير الخارجية اليوم إضافة إلى استقالة مدير عام المالية منذ فترة، تأكيداًعلى تعذّر تعاطي هذه الحكومة في الشؤون الداخلية والخارجية. وتؤكد هذه الاستقالات أننا بحاجة اليوم قبل الغد إلى حكومة انقاذ وطنية".عقبال البقيّة!
أما النائب جميل السيد، فقال في تغريدة على حسابه عبر "تويتر" أمس: "وزير الخارجية استقال!، الاستقالة تكون عن شجاعة أو عن جُبْن...، الاستقالة شجاعة إذا كان سببها عجزاً عن إنجاز أو قَرَفاً من فساد!". وأضاف: "في دولة العجز والقَرَف هذه، أعجب لرؤساء وزعماء وقضاة وضباط يتمسكون بالسلطة وينعمون بالفساد، وأعجب لنواب لم تسمع لهم صوتاً عن الفساد ووجع الناس ويستمرّون".