أغرب ما شاهدت أيام الغزو العراقي
1990 كان عاماً استثنائياً في العالم وسنة تاريخية في العصر الحديث، فالاجتياح العراقي الغادر للكويت الحبيبة ليس له مثيل مما جرى خلال الشهور السبعة المظلمة للوطن وأهله من جرائم وحشية واعتداءات همجية، ودماء وأرواح مئات الشهداء بإذن الله وقصص آلاف الأسرى والمعتقلين ويوميات عشرات الألوف من الصامدين سجلت لنا ذاك العهد، وشهدت أن أبناء الكويت حفروا اسمها ببطولاتهم وتفانيهم وعطائهم بأحرف من ذهب في القرن العشرين بكل فخر واعتزاز.لقد شاهدت في تلك الشهور السبعة أحداثاً عجيبة لا يمكن نسيانها، ويتكرر مرورها عليّ كلما عادت ذكرى تلك الأيام، أو دار الحديث عنها، وكأنها أضغاث أحلام ولم تقع يوماً، وبعض هذه الأحداث فعلاً غريبة.لا أنسى في نقطة التفتيش التي يسميها جنود الاحتلال (السيطرة) بجوار نادي العربي عندما أوقفني ضابط شديد السمرة بشكل غير معهود في الجيش العراقي، فلما كلمني فإذا هو من الجنسية السودانية وكان السودانيون قبل الغزو يعملون في وظيفة كاشير الجمعيات التعاونية، فعرفناهم أهل ابتسامة وطيبة، فأنّى لهم هذا الموقف الخائب الملوث بالغدر والخيانة؟
وشاهدت مرة جنود الاحتلال عند نقطة التفتيش مقابل مدرسة جمانة بنت أبي طالب يحملون صناديق الذخيرة من الشاحنات، وقد كتب على كل صندوق (الجيش الملكي الأردني) فعلمت أن دماء شهدائنا سالت بأسلحة عربية قحّة.ومازلت أذكر احتراق سيارة بالكامل بين العصر والمغرب في منطقة على الدائري الثاني، وقد قيل لنا حينها أنها سيارة لمواطن لم يكن بحالة طبيعية، وقد أفشى أسماء وأماكن ضباط كويتيين للجيش العراقي.وأما أغرب ما وقع لي وللصديق العزيز محمد سليمان العثمان في الغزو العراقي فهو حضور التحقيقات بمخفر الصالحية، وجلسة المحكمة عند "قائم مقام الكاظمية" بعد سرقة منزلهم في الشامية، حيث حكم ذاك القاضي بالإعدام للسارقين في ليلة طويلة وكئيبة ومروّعة، سبق لي الكتابة عنها قبل سنوات.إن كل كويتي أدرك تلك الكارثة العربية المدمرة أينما كان سيملك عشرات القصص والأحداث واليوميات التي تستحق روايتها للأجيال، وكما نقول دائماً فنحن نستذكر الغزو العراقي الغادر، وليس هدفنا إثارة الأحقاد أو بث الكراهية، فهذه ليست من شيم أهل الكويت ولا من أخلاقهم، إنما نستذكر بطولات أبناء الكويت وبناتها، نستذكر شهداء الكويت وشهيداتها، نستذكر أسرى الكويت وأسيراتها، نستذكر ما قدمه الصامدون ونستذكر الحق الذي ردّه الله سبحانه إلينا، ونشكر النعمة التي حبانا الله بها، والله الموفق.