الاحتجاجات المعادية لبوتين في شرق روسيا جديدة من نوعها!
غالباً ما تُصوَّر الاحتجاجات المعادية لفلاديمير بوتين، في روسيا والخارج، وكأنها ظاهرة مشتقة من النخبة المثقفة في المدن الكبرى التي تشمل أكثر من مليون نسمة وتقع في معظمها في روسيا الأوروبية، لكنّ التظاهرات الحاشدة التي هزت مدينة "خاباروفسك" في أقصى شرق روسيا خلال الأسابيع الأخيرة مختلفة. تقع "خاباروفسك" شرقاً أكثر من بيونغ يانغ في كوريا الشمالية ويقتصر عدد سكانها على 570 ألف نسمة تقريباً، وتفيد التقارير بأن هذه المنطقة تبقى أفضل من غيرها اقتصادياً بحسب المعايير الروسية. لكنّ معظم المحتجين ضد اعتقال حاكم المنطقة الذي يحظى بشعبية واسعة، سيرغي فورغال، في 9 يوليو ليسوا الليبراليين الأثرياء وسكان المدن الذين ينزلون إلى شوارع موسكو وسانت بطرسبرغ في مناسبات متكررة.برأي الكثيرين في المدينة، كان وقع اعتقال فورغال على خلفية الاشتباه بتورطه بجرائم متعددة قبل عقدَين من الزمن قوياً لأنه هزم المرشح المدعوم من الكرملين خلال السباق الانتخابي على منصب الحاكم في عام 2018: إنها نتيجة انتخابية نادرة ضد بوتين!يقول بن نوبل، محاضِر في السياسة الروسية في جامعة "كوليدج لندن": "يعيش عدد كبير من الروس في "خاباروفسك" تحت حكم مسؤولين وافقت عليهم الحكومة المركزية وهم يشعرون بأن موسكو نسيتهم، وبدل النضال لتحقيق مصالح المنطقة، يسود شعور عام بأن الحكّام المنتمين إلى الحزب الحاكم يخدمون مصالحهم الخاصة عن طريق ممارسات فاسدة".
يضيف نوبل أن فورغال سُمِح له بالترشح في انتخابات 2018 ضمن عرض متقن للمنافسة المدروسة وقد افترض الجميع أن فرص فوزه معدومة، لكنّ إصلاحات التقاعد المثيرة للجدل في تلك السنة أجّجت غضب الرأي العام، فكان التصويت لفورغال بمثابة احتجاج ضد السلطات: "أثبت انتخابه أن تخبّط الكرملين يبقى ممكناً، حتى لو بدا الاتحاد الروسي ظاهرياً دولة مركزية بامتياز. بعبارة أخرى، يستطيع الشعب أن يُحدِث فرقاً حقيقياً". يقول كيريل شامييف، باحث في الجامعة الأوروبية المركزية أصله من "خاباروفسك"، إن القرار بنقل عاصمة المقاطعة الاتحادية للشرق الأقصى إلى "فلاديفوستوك" قبل سنتين اعتُبِر أيضاً شكلاً من الازدراء بالمنطقة: "لطالما كانت "فلاديفوستوك" منافِسة "خاباروفسك" الأبدية، لذا كان نقل المركز الإداري إلى "فلاديفوستوك" كفيلاً بتجريد "خاباروفسك" من أهميتها كعاصمة رمزية للمنطقة".يظن شامييف أن عدداً من إخفاقات الكرملين، في خضم محاولاته احتواء الاحتجاجات، زاد غضب المتظاهرين سوءاً، فقد ألقت الشرطة القبض على فورغال خلال عملية منظّمة نقلتها شاشات التلفزة، فبدا وكأنه إرهابي شيشاني لا حاكم لديه شعبية واسعة بين الناس، كذلك لم يكن ميخائيل دغيتاريف، البديل الذي اختاره بوتين من الحزب الديمقراطي الليبرالي اليميني المتطرف الذي ينتمي إليه فورغال، ينحدر من هذه المنطقة وبدا "مرواغاً وغير احترافي بما يكفي" برأي شامييف. كان الاستفتاء الدستوري المتقن في الشهر الماضي يهدف إلى ترسيخ سيطرة بوتين على السلطة إلى أجل غير مُسمّى، إذ تتمحور موجة الغضب في "خاباروفسك" حول مشاكل محلية عموماً لكنها تعكس في الوقت نفسه حدود "الديمقراطية المدروسة" التي يرأسها بوتين (هي عبارة عن حكم استبدادي مُزيّن بزخارف الديمقراطية) وتكشف حجم التخبط في الدولة الروسية الشديدة المركزية. * إيدو فوك* «نيوز ستيتسمان»