تواجه الكويت هذه الأيام ضغطاً عالياً في استهلاك الطاقة الكهربائية، لامست فيه الأحمال مستويات تاريخية بحدود 15 ألف ميغاواط، بسبب حرارة فصل الصيف، إلى جانب الظروف التي فرضتها تداعيات انتشار فيروس كورونا من ناحية إلغاء العديد من المواطنين والمقيمين خطط السفر السنوية، والتي كانت تخفف جانبا من الأحمال الكهربائية أو تحدُّ من الاستهلاك المرتفع للطاقة خلال فترات الذروة.ومع أن الظرف بطبيعته استثنائي، بسبب تداعيات كورونا، إلا أنه يعطي جانباً من تحديات استهلاك الطاقة في الكويت، خلال السنوات المقبلة، أي على المديين المتوسط والقصير، إذ تشير تقارير حكومية رسمية إلى أن أقصى إنتاج متاح للطاقة الكهربائية في الكويت حالياً، وفق أعلى درجات التأهب يصل إلى 18 ألف ميغاواط، في حين تحتاج خطط الكويت لبناء 92 ألف وحدة سكنية عبر المدن الجديدة المدرجة على خطط المؤسسة العامة للرعاية السكنية إلى إنتاج نحو 29 ألف ميغاواط لتغطية الطلب المتصاعد على خدمات الطاقة الكهربائية، فضلاً عن التوسعات الصناعية والخدمية والتجارية، التي قد ترفع الطلب على الكهرباء إلى نحو 36 الف ميغاواط، اي ضعف الانتاج الحالي لدولة الكويت خلال الـ 6 سنوات القادمة.
وجوه متعددة
وفي الحقيقة، فإن أزمة الكهرباء ومعها الماء في الكويت ليست خدمية بحتة، إنما تتعدد وجوهها؛ فهي بالاقتصاد تعني ضغطا اكبر على مصروفات الميزانية، وفي الجانب الاجتماعي تفضي إلى عرقلة حصول الطبقة المتوسطة على السكن الملائم، فضلا عن أنها تكشف اختلالات ادارية وفنية عميقة تتمثل في غياب بدائل الانتاج التقليدية، كاللجوء بشكل جدي الى الطاقة المتجددة الموجودة نصاً في خطط ومشاريع الدولة دون تنفيذ، او نظم الحوافز المشجعة لخفض الاستهلاك، والتي تعطي المستهلكين خيارات مالية او عينية كلما استجابوا لمحفزات خفض الانتاج ببرامج أشبه بالمكافأة، خصوصا ان جانبا مهما من ضغط الاستهلاك متمثل في ارتفاع كلفة الدعم الحكومي للسكن الخاص بواقع 95 في المئة من الكلفة الحقيقية، وبالتالي فإن التوفير يعطي فوائد على الاقل مالية اكثر من تخفيض قيمة الدعم مثلا.ومنذ عام 2016 الذي شهر تعديلا تشريعيا على اسعار الكهرباء والماء في القطاعات غير السكنية (التجاري، والاستثماري، والصناعي وخلافه) لم تصدر وزارة الكهرباء والماء ولا وزارة المالية بيانا يوضح الآثار المالية والفنية والاقتصادية لتعديل الاسعار على الميزانية او التضخم او الاقتصاد بشكل عام، مع وجود معلومات عن ضعف آليات التحصيل مع المستهلكين!نمو الكلفة
على جانب الكلفة المالية، تشير البيانات الرسمية إلى قدر مرتفع من الاستهلاك، بما يتبعه من الانفاق المالي، اذ تصل كلفة انتاج الطاقة الكهربائية في الكويت، وفق الحساب الختامي لميزانية السنة المالية 2018 -2019، إلى 1.275 مليار دينار، بكلفة إنتاج 40.5 فلسا للكيلوواط الواحد، وهي الكلفة التي ارتفعت بواقع 120 في المئة، مقارنة بالحساب الختامي للسنة المالية 2002 -2003. أما كلفة إنتاج المياه فتبلغ 592 مليون دينار، وفق نفس الحساب الختامي، إذ تبلغ كلفة إنتاج كل ألف غالون من المياه العذبة 8 دنانير، وهي الكلفة التي ارتفعت 110 في المئة مقارنة بالحساب الختامي للسنة المالية 2002 -2003، بمعنى أن كلفتي إنتاج الكهرباء والماء في الكويت تشكلان لوحدهما 8.29 في المئة من إجمالي مصروفات الميزانية هذا العام، وهي أرقام تعطي مؤشرات لحجم الكلفة المستقبلية لإنتاج الكهرباء والماء في الكويت، مع الأخذ بعين الاعتبار عوامل كالنمو السكاني للمواطنين، وارتفاع طلبات السكن الخاص، والانفلات في التركيبة السكانية، وهي كلها عوامل تشير إلى نمو الطلب على الخدمات، لاسيما الكهرباء والماء، وبالتالي كلفتهما المالية.غياب «المتجددة»
من الحلول الجوهرية لتلافي حدوث أزمة طلب على خدمات الكهرباء تحديدا هو التوجه إلى إنتاج الكهرباء عبر الطاقة المتجددة، ورغم ان الكويت تستهدف رسميا توفير 15 في المئة من طاقة توليد الكهرباء من الطاقة المتجددة بحلول عام 2030، فإن مجلس الوزراء قرر الشهر الماضي إلغاء مشروع الدبدبة للطاقة الشمسية التابع لشركة البترول الوطنية والمكمل لمجمع الشقايا للطاقة المتجددة، والذي يتولى تطويره معهد الكويت للأبحاث، بالشراكة مع وزارة الكهرباء والماء، إذ تم إلغاء مشروع الدبدبة، رغم كونه الاكثر تقدما من الناحية الاجرائية والمستندية في الكويت، مقارنة بأي خطة لمشروع إنتاج طاقة متجددة في الكويت، وهو أمر يتسق مع كون الكويت أولى دول مجلس التعاون الخليجي في تبني ملف الطاقة المتجددة، منذ سبعينيات القرن الماضي، وهي في المقابل أبطأ دول المنطقة في التنفيذ الفعلي، وهي التي لم تصل لهدفها المرسوم منذ 8 سنوات بتحقيق إنتاج 3 في المئة من الطاقة الكهربائية من المصادر المتجددة (الشمسية أو الرياح)، في العام الحالي 2020، ومن غير المتوقع وفقاً للآليات الحالية أن تصل الى هدف 15 في المئة بحلول 2030.دور هيئة الشراكة
بل إن معظم المشاريع الحكومية للطاقة المتجددة -على الورق- مناطة بجهات حكومية هي وزارة الكهرباء والماء، والهيئة العامة للاستثمار، ومعهد الكويت للأبحاث العلمية، وأخيراً مؤسسة البترول الكويتية، وهذا يعني من جانب ان تتحمل الدولة أكلافاً إضافية في الإنفاق على إنتاج الطاقة، ولو على المدى المتوسط، مع انه من الفائدة المالية والاقتصادية إيلاء هذه المهمة لهيئة مشروعات الشراكة بين القطاعين العام والخاص، لتؤسس شركات تتضمن فيها حصة حكومية حاكمة وحصة أخرى لمشغل إستراتيجي (في الغالب أجنبي) مع طرح نصف أسهم رأس المال للاكتتاب العام للمواطنين، فتتحقق فوائد جماعية لعموم المساهمين، فضلا عن توفر الخدمة من بدائل غير تقليدية وأقل كلفة على الدولة.أزمة الكهرباء وانقطاعاتها اليوم تظل في حدودها المقبولة، خصوصا مع ظرف كورونا الاستثنائي، لكنها تعطي مؤشرا لتحدي اكثر استدامة في السنوات القادمة، مما يتطلب حلولا جذرية وذات طبيعة غير تقليدية لتلافي مشكلة خدمية آثارها على الحياة أكبر من اي مشكلة خدمية أخرى.