تَشرفت منذُ قرابة الأسبوع بإلقاء محاضرة عامة عَبر حِساب "الحركة التقدمية الكويتية" من خلال منصة "تويتر" أتطرق فيها لأهم التحديات البيئية التي تواجه دولة الكويت، وهي في الواقع كثيرة ولا يمكن حصرها بمحاضرة أو اختزالها بمقال صحافي واحد، ولعل من أهم المفاهيم الواجب التوقف عندها ومناقشتها أكثر المنظور الاشتراكي للبيئة والزاوية الاقتصادية للمنظومة البيئية، بل المسؤولية المجتمعية الواقعة على عاتق الشركات والقطاع الصناعي إزاء المنظومة البيئية وصحتها وسلامتها أيضاﹰ، فمن الملاحظ أن النصوص والكتابات الاشتراكية تتطرق وبشكل صريح إلى موضوع البيئة وأهميتها وعلاقة كل من الإنسان ووسائل الإنتاج بصحتها وسلامتها كذلك، وذلك مما لا شك فيه شيء يعطيها بعداﹰ غير موجود عند الكثير من التوجهات والتيارات السياسية غير المتصلة بواقع ومعاناة الشعوب والقضايا التي تعنى بسلامتهم وصحتهم. فمن الأمور الصريحة والنصوص الواضحة التي تَطرق لها الفيلسوف والسياسي الألماني "فريدريك ﺇنجلز 1820-1895" في كتاباته موضوع صحة وسلامة البيئة المحيطة بالإنسان، ومن تلك النصوص نجد الآتي على سبيل المثال لا الحصر: "دعونا لا نَغتر كثيراﹰ بمقولات انتصار البشرية على الطبيعة، فمقابل كل انتصار، الطبيعة تنتقم منا"، وهي ﺇشارة واضحة ﺇلى انتقام الطبيعة من الإنسان ﺇذا ما دمر البيئة باستخدام جشعه واستنزاف مواردها دون حسبان، بل هو تحذير لما كان يتداول من كلام وثرثرة نحو تطويع البيئة والطبيعة لمصلحة الإنسان بطريقة "عنترية".
كما وجب في هذا الموضع أن نُشير إلى أن العلاقة بين هندسة وعلوم البيئة من جهة والإنسان وممارساته من جهة أخرى، هي علاقة ديناميكية معقدة، بل جدلية (دياليكتية) بأقصى حالاتها أيضاﹰ، فأينَ ذلك من جشع وطفيلية الرأسمالية وهي تَستغل بشكل ربحي موارد الطبيعة دون الالتفات نحو عواقب الصناعات الثقيلة على البيئة، وتبعات زيادة الربح على حساب التلوث البيئي والمخلفات وتراكم النفايات؟حَتمية زوال الرأسمالية شيء أصبح من المسلمات، والدلائل على ذلك كثيرة، وهي ليست من محاور هذا المقال، فتطور النظم الاقتصادية شيء مُسَلم به والاشتراكية قادمة لا محالة، بل أزيد أيضاﹰ بأن الاشتراكية نفسها متطورة على مَر الزمن، فكما بدأت كموقف فلسفي وأخلاقي، تطورت ﺇلى "مذهب" اقتصادي متكامل كما أشار الدكتور حسن لطيف الزبيدي في كتابه (النظم الاقتصادية المقارنة- ص142)، لاسيما مع كتابات الاقتصادي الألماني الكبير "كارل ماركس 1818-1883" والتي نَهضت بالنظرة الاقتصادية، وأوجدت بدائل حقيقية وملموسة للنظام الرأسمالي. ومن لُب النظرية الماركسية للاقتصاد نَجد مُنطلق المسؤولية المشتركة للحفاظ على البيئة والضرائب الحتَمية التي تجب على الشركات والقطاعات الصناعية، وكل ذلك بهدف محو الطبقات وتحقيق عدالة اجتماعية للأوطان يعيش بها المرء بجو ديمقراطي وصحي وبالتأكيد في بيئة سليمة وجميلة. كثيرةٌ هي الشركات التي تَدعي أنها صديقة للبيئة وتقوم باستخدام تقنيات صديقة للبيئة وقد تدعي أيضاﹰ أنها تقوم بإعادة تدوير النفايات، وهي من كُل ذلك براء. في الواقع هذه الشركات يمكن أن تستخدم تقنيات أفضل وسبلاً هندسية أمتن من المتوافر لديها، لكن تكلفة ذلك عليها واحتمالية تقليل الأرباح يشكل كابوساً من أفلام رعب ثمانينيات القرن المنصرم لا يتمنى صاحب الشركة أن يعيشه، ناهيك عمن يدعي أنه يُعيد التدوير وهو يستخدم خطوط ﺇنتاج تستخدم الوقود الأحفوري، وفي النهاية هو يقطع النفايات فحسب ويبيعها كمنتج. تقع على الشركات والقطاعات الصناعية كافة مسؤولية حماية البيئة، ومن أهم أشكالها دفع رسوم ضريبية لاستخدام مرافق في الدول وطرق وشوارع ومرادم نفاية وما شابه، علاوة على توفير فرص وظيفية حقيقية للعمالة الوطنية وتدريبها والاهتمام بها بشكل استثنائي. تلك الضريبة مع الأيام أيضا تعود على اقتصاد البلد بتوفير إعفاءات ضريبية على الشركات الصغيرة التي تقوم بتخفيف اعتمادها على الوقود الأحفوري الناضب والملوث للبيئة، وهكذا دواليك بمنظومة بيئية اقتصادية مدروسة تهتم بالإنسان وبيئته على حد سواء. تذكروا جميعاً أن انتقام الطبيعة أمرٌ حتمي ﺇذا ما احتسبنا ما نحن فيه انتصاراً عليها.
مقالات
الضريبة البيئية
06-08-2020