يسعى مُحرّض خارجي إلى تأجيج الاحتجاجات العنيفة في شوارع "بورتلاند" في أوريغون، حتى أنّ تأثيره يصل إلى سياتل وأوكلاند وكاليفورنيا ولوس أنجلوس أيضاً، وهذا العنصر الاستفزازي مُصرّ على إشعال الاحتجاجات المحتدمة في تلك المدن عبر توريط القوات المسلحة، وقد نجحت خطته، حيث نزلت أعداد إضافية من المحتجين إلى الشوارع وراحت ترمي قطع القرميد على ضباط إنفاذ القانون وتشارك في أعمال التخريب، وغرقت أحياء كاملة من تلك المدن في دخان الغاز المسيل للدموع ويدعو رؤساء البلديات إلى إعادة إرساء الهدوء.حين تحصل اضطرابات من هذا النوع، يصعب أحياناً معرفة المذنب الحقيقي، لكن في هذه الحالة، لن يكون تحديد هويته صعباً: المُحرّض الخارجي هو دونالد ترامب الذي يقيم في البيت الأبيض في العاصمة واشنطن.
كان هدف الرئيس من نشر عملاء فدراليين في "بورتلاند" وأماكن أخرى واضحاً منذ البداية: لقد أراد إرسال القوات الفدرالية إلى المدن الليبرالية التي لا ترحّب بها ثم انتظر أن تحتدم المشاكل واستغل الوضع لتبرير أفعاله واكتساب النفوذ السياسي الذي يحتاج إليه في حملة إعادة انتخابه المضطربة. حققت خطته نجاحاً باهراً! كان استفزازه فاعلاً لدرجة أن تستعد إدارة ترامب راهناً لإرسال أعداد إضافية من العملاء الفدراليين إلى "بورتلاند" لكبح أعمال العنف التي تأججت بعد وصول الدفعة الأولى من العملاء إلى المنطقة.يريد ترامب أن يقنع البلد بأن ما يحصل يعكس تصعيداً هائلاً لأعمال العنف، لكنه لا يكشف الحقيقة حول الجرائم الحاصلة، وهذا ما يفعله منذ حملته الانتخابية في 2016. باختصار، كانت خطة زيادة أعداد العملاء الفدراليين ستفشل لو أنها تهدف إلى محاربة الجريمة، لكنّ هدفها مختلف، فمنذ بدء الاضطرابات التي حرّض عليها ترامب في "بورتلاند"، عمد الرئيس وحلفاؤه وفريق حملته الانتخابية على تسليط الضوء على تلك الأحداث التي تشكل وسيلة لإلهاء الناس عن فشل الرئيس الذريع في التعامل مع فيروس كورونا المستجد وتهدف إلى إعطائه فرصة لإثبات قوته وإخافة جزء من الناخبين البيض في الضواحي لأنهم بدؤوا يتخلون عن ترامب ويميلون إلى تأييد جو بايدن.هذا الاحتمال أثار استياء عدد من السياسيين الديمقراطيين الذين يحاولون إقناع ناخبيهم بعدم الوقوع في هذا الفخ، وحذرت عمدة "أوكلاند"، ليبي شاف، من أنّ تورط المحتجين في مواجهات مع الشرطة لا يخدم إلا الرئيس. قد تكون شاف محقة، لكنّ مقاربة ترامب محفوفة بالمخاطر، فقد سبق أن جرّب الرئيس استراتيجية مشابهة على نطاق أضيق، فأرسل في يونيو الماضي الشرطة والحرس الوطني لتفريق محتجين سلميين في "ميدان لافاييت" في محيط البيت الأبيض، ثم أنشأ حصناً حول مقره هناك، وشكّلت تلك المقاربة كارثة سياسية بمعنى الكلمة.أعطت هذه السياسة نتائج عكسية، فكشفت استطلاعات الرأي تراجعاً في نِسَب تأييد ترامب بسبب سوء تعامله مع المسائل العرقية والاحتجاجات مقابل تفوّق بايدن في السباق الرئاسي. من الواضح أن ترامب يعجز عن كبح الفوضى السائدة، ولهذا السبب قرر الآن أن يستفيد منها على أمل أن يُحفّز الناخبين نتيجة تصاعد المخاوف بما أنه لم يستطع الإيفاء بوعده بالحفاظ على الأمن. ناشد المسؤولون في مختلف المدن والولايات ترامب سحب عملائه خلال الأسبوع الماضي على اعتبار أن قراراته تزيد الوضع سوءاً، لكنهم لا يدركون على الأرجح أن ترامب يريد افتعال هذه الأحداث عمداً خدمةً لمصالحه.* ديفيد أ. غراهام* «أتلانتيك أونلاين»
مقالات
جهود ترامب لافتعال العنف تعطي ثمارها!
06-08-2020