مجلس الأمة القادم ديسمبر 2020
منذ عام 2012 والمجتمع الكويتي ونخبه السياسية والاجتماعية في حوار مستمر، محوره هل نشارك في انتخابات مجلس الأمة أم نقاطعها؟ وقد انقسم الناس فعلاً بين مشارك فيها ومقاطع لها، والعلة وراء موقف المقاطعة هي أن نظام الصوت الواحد قد فُرِض من السلطة دون أن يكون متوافقاً عَليه ولَم يأتِ بإرادة الأمة، كما هو محدد بالدستور، ولذا أفرز مجلساً للأمة "مسلوب الإرادة". ومنذ عام 2012 أُجريت انتخابات عامة وفقاً لنظام الصوت الواحد مرتين، وتشكل استناداً عليه مجلسان؛ مجلس 2013- 2016، ومجلس 2016- 2020، وعلى الرغم من صدق نوايا المقاطعين وحسهم الوطني الذي دفعهم للمقاطعة من منطلق "عدم إعطاء السلطة غطاءً لتصرفها المنفرد بالدوائر"، و"عدم منح المجلس المنتخب شرعية شعبية" حينما تكون هناك مشاركة شعبية واسعة في انتخابه، أقول: هذا الموقف المحق والمبدئي النبيل والوطني المُقدر، لم يحقق أمرين مهمين لا بد من الوقوف عندهما والحديث عن آثارهما؛ الأول لم تصل المقاطعة إلى رقم مؤثر في شرعية الانتخابات، إذ انخفضت المشاركة في انتخابات 2013 بنسبة 20 في المئة تقريباً، في حين بلغت في انتخابات 2016 نحو 13 في المئة.
والثاني، وهو الأخطر، خصوصاً بعد صدور حكم المحكمة الدستورية، الذي نختلف معه، بإقرار دستورية مرسوم قانون الصوت الواحد، أن المجلس في 2013 و2016 قد حظي بشرعية الوجود وسلامة أعماله دستورياً وقانونياً، وهو ما ينبغي أن ندركه، لأن تجاهله في الحقيقة هو هروب للأمام، نظراً للمخاطر التي يمثلها المجلسان اللذان تم انتخابهما عامي 2013 و2016، فقد أصبح المجلس وأغلبية أعضائه سنداً ومصدراً لشرعية القوانين والتشريعات التي سايرت سمة المرحلة المذكورة، التي توصف بأنها مرحلة تراجع الممارسة الديمقراطية، والتقييد الواسع للحريات، وصدور قوانين تعسفية تئد الحريات وتصادرها، وملاحقة المعارضة والتضييق عليها، وحبس أصحاب الرأي، والنفي الإجباري أو التطوعي لشخصيات سياسية وبرلمانية معارضة، فضلاً عن تفشي الفساد السياسي والمالي.إذاً المقاطعة أفسحت المجال لأغلبية برلمانية فاسدة أو حكومية للتحكم في المنظومة التشريعية وتشويهها، وإقصاء الإرادة الوطنية الحرة والصادقة عن مراكز القرار ودوائر التأثير السياسي، مما أوجد نكسة حقيقية في الدور المميز وطنياً الذي كان يقوم به مجلس الأمة، وأفرغه من دوره المؤسسي، وأوجد ردة فعل تكفر بوجوده وأهميته للحياة العامة في الكويت، وهذا يمثل غاية كان يسعى إليها البعض وتجده فرحاً بتحقيقها.واليوم ونحن على أبواب انتخابات برلمانية جديدة ستعقد في أواخر نوفمبر أو بداية ديسمبر 2020 أظن أنه صار خياراً ملحاً مراجعة موقف المقاطعة وتداعياته وآثاره الوخيمة، وأن يتم غربلة فكرة مشاركة مدروسة ومسؤولة بتوحيد جهود وطنية واسعة وبهدف إحداث "صدمة" سياسية ووطنية مدوّية لتغيير تركيبة المجلس بشكل جذري، وفرض التغيير على النظام الانتخابي من الداخل، وإعادة الاعتبار للمؤسسة البرلمانية، قبل أن نصل إلى وضع أكثر تعقيداً ونفاجأ بتشريعات لن نجد لنا منها فكاكاً.