استفاقت بيروت، أمس، على مجزرة بكل ما للكلمة من معنى. أكثر من 135 قتيلا و4000 جريح، إضافة إلى 80 مفقوداً و"عداد" الجثث لا يزال مفتوحا على مصراعيه. دمار شامل في المباني والشوارع شرد المواطنين المتضررين جراء عصف الانفجار، وأنين المصابين تحت الأنقاض لا يلاقى جواباً. هو مشهد تراجيدي هوليودي استفاق عليه اللبنانيون، أمس، ليلملموا ما تبقى من منازلهم وأرزاقهم جراء الدمار الذي لحق بهم من تفجير2750 طنا من مادة النيترات أمونيوم السامة المخرنة في مرفأ بيروت، منذ عام 2014.
الإهمال سبب الحادث
تعددت الروايات لحادث أمس الأول، لكن الأكيد أن سنوات من التراخي والإهمال هي السبب الرئيسي في تخزين مادة شديدة الانفجار في المنشأة. وكشفت وكالة "رويترز"، أمس، أن "مسألة سلامة التخزين عُرضت على عدة لجان وقضاة، ولم يحدث شيء لإصدار أمر بنقل هذه المادة شديدة القابلية للاشتعال أو التخلص منها". أما السلطة فقررت في مجلس الوزراء وضع كلّ من له صلة بملف النيترات في مرفأ بيروت في الإقامة الجبريّة على ان يطلب من قيادة الجيش تنفيذ هذا القرار. وأعلن وزير الشؤون الاجتماعية رمزي مشرفية، في تصريح له، بعد انتهاء جلسة مجلس الوزراء، امس، ان "كل المسؤولين دون استثناء سيكونون تحت الإقامة الجبرية بملف النيترات ولا أسماء محددة".مطالبات بتحقيق دولي
وتوالت بعض المواقف المطالبة بتحقيق دولي يكشف ملابسات الانفجار. وتقدم عضو كتلة "اللقاء الديمقراطي" النائب مروان حماده باستقالته من مجلس النواب، في كتاب أودعه صباح امس الأمانة العامة للمجلس، وطالب بتشكيل لجنة تحقيق دولية لكشف ملابسات الانفجار. ولاقاه في مطلبه النائب السابق فارس سعيد الذي قال، أمس، إنه "لا ثقة بكل الأجهزة القضائية والأمنية، ولأن الكارثة لا تقلّ عن كارثة اغتيال الحريري، نطالب بلجنة تحقيق دولية". إلا أن وزير الداخلية محمد فهمي قال إن "لبنان لن يلجأ الى خبراء دوليين من أجل التحقيق"، من ناحيتها قالت وزير الإعلام منال عبدالصمد إن الحكومة تؤيد "أي شيء يظهر الحقيقة"، لكنها شددت على إجراء تحقيق دولي أو مشاركة فريق دولي بالتحقيق يحتاج الى العرض على مجلس النواب.وأعلنت فرنسا فتح تحقيق بالحادث بعد إصابة 21 من مواطنيهاأضرار بالمليارات
وكحصيلة أولية للخسائر أكد محافظ بيروت، مروان عبود، امس، أن "حجم الأضرار في بيروت يتراوح بين 3 و5 مليارات دولار"، مشيرا الى ان "300 ألف لبناني أصبحوا بلا مأوى بعد الانفجار". وقال: "نحو نصف بيروت تضرر أو تدمر. إنه وضع كارثي لم تشهده بيروت في تاريخها". وأعلن عبود أنّه سيرفع "دعوى على كل من تسبّب بهذه الجريمة، ولا خيمة فوق رأس أي مسؤول"، مُضيفاً: "طويلة على رقبتن نستكين". وقام رئيس الجمهورية ميشال عون، امس، بجولة تفقدية في موقع الانفجار في مرفأ بيروت، برفقة قائد الجيش العماد جوزف عون. كما جال الأمين العام للهيئة العليا للإغاثة اللواء الركن محمد خير، أمس، على المرفأ ووسط العاصمة ومنطقة الجميزة ومار مخايل وشركة الكهرباء، وتفقد الأضرار معلناً أن "شركات الهندسة بدأت الكشف على الأضرار للقيام بالخطوات اللازمة".واعلنت وزيرة الإعلام منال عبدالصمد بعد جلسة مجلس الوزراء، امس، «حال الطوارئ في مدينة بيروت لمدة أسبوعين على ان تتولى فورا السلطة العسكرية العليا (الجيش) صلاحية المحافظة على الامن وتوضع تحت تصرفها جميع القوى المسلحة». واضافت: تم تشكيل لجنة تحقيق ادارية برئاسة الرئيس دياب وعضوية نائبة الرئيس وزيرة الدفاع زينة عكر، ووزيرة العدل ماري كلود نجم، ووزير الداخلية محمد فهمي، وقائد الجيش العماد جوزيف عون، ومدير عام قوى الامن الداخلي اللواء عماد عثمان، ومدير عام الامن العام اللواء عباس ابراهيم، ومدير عام أمن الدولة اللواء طوني صليبا، تكون مهمتها إدارة التحقيق في الاسباب التي أدت إلى وقوع الكارثة ورفع تقرير بالنتيجة إلى مجلس الوزراء خلال مهلة أقصاها خمسة أيام من تاريخه، وإحالة هذا التقرير إلى الجهات القضائية المختصة لاتخاذ أقصى درجات العقوبات بحق من تثبت مسؤوليته.مساعدات دولية
ولقي لبنان عقب الانفجار تضامناً عربياً ودولياً، أبرزه اتصال أجراه رئيس الجمهورية الفرنسية إيمانويل ماكرون برئيس الحكومة حسان دياب أبلغه فيه أنه سيزور بيروت اليوم لمساعدة لبنان في هذه المرحلة العصيبة. وأعلنت باريس أنّها ستنقل عبر 3 طائرات عسكرية فريقاً من الأمن المدني وعدة أطنان من المعدات الطبية ومركزاً صحيّاً نقّالاً.وفي حين اتصل أمير قطر الشيخ تميم بن حمد، برئيس الجمهورية ميشال عون، وأبلغه قراره إرسال مستشفيات ميدانية، تلقى دياب اتصالًا من وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو شدّد خلاله على دعم الولايات المتحدة للبنان واستعدادها لتقديم المساعدات العاجلة له. وأجرى بومبيو كذلك اتصالاً هاتفياً برئيس الحكومة السابق سعد الحريري. وعبّر رئيس الديبلوماسية الاميركية عن تضامنه الكامل مع العاصمة اللبنانية وأهلها، وأبلغ الحريري أنّ "الولايات المتحدة ستقدم مساعدات عاجلة للبنان لمواجهة آثار الانفجار". وأعلن رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون عن استعداد بلاده لمساعدة لبنان، وقال جونسون في "تغريدة"، أمس، إن "الصور والفيديوهات من بيروت صادمة، وكل أفكاري وصلواتي مع من طالهم هذا الحادث الرهيب". وأضاف أن "المملكة المتحدة مستعدة لتقديم المساعدة بكل الطرق الممكنة"، في حين أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في اتصاله بعون، استعداد بلاده "لتقديم المساعدات إلى لبنان في كافة المجالات، وفي مقدمتها الصحة". كما أكد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أمس الأول "تضامن مصر حكومة وشعبا مع الأشقاء في لبنان والاستعداد لتسخير كافة الإمكانات لمساعدة ودعم لبنان في محنته".التأثير السياسي
سياسياً، أدى الانفجار إلى تحول كبير على حدثين اثنين كانا محط ترقب وانتظار من اللبنانيين، الحدث الأول هو حكم المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في قضية اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري، إذ كان من المنتظر تحركات شعبية وتوتير للشارع، مما قد يؤدي الى اشتباك اهلي، لكن هول الكارثة جعلت الاهتمام اللبناني العام في مكان آخر، وباتت مفاعيل قرار المحكمة اعلاميا وسياسيا وشعبياً أضعف مما كان منتظرا بأضعاف. أما الحدث الثاني فكان التوتر على الحدود الجنوبية مع إسرائيل ورد "حزب الله" في الجنوب، إذ كان من المتوقع ان يقوم برد على الغارة الاسرائيلية، التي ادت الى سقوط احد مقاتليه في سورية، لكن الكارثة التي حصلت عطلت بدون أدنى شك عملية الحزب، الذي لن يذهب الى تصعيد مع اسرائيل في ظل هذا الوضع الصحي السيئ والوضع الشعبي الأسوأ. ولعل تأجيل كلمة الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله، التي كانت مقررة امس، والذي كان سيقوم خلالها بتهديد إسرائيل وبالحديث عن المحكمة الدولية خير دليل.الحريري
واعتبر الحريري لدى تفقده مسجد محمد الأمين، وسط بيروت أمس، وهو أحد المرافق التي تضررت بشدة من جراء الانفجار، أن العاصمة بيروت "قُتلت بالأمس"، محملا "العهد الحاكم" مسؤولية تداعيات الانفجار الهائل. وأضاف أن "التضامن الذي أبداه اللبنانيون لا يعني ألا تكون هناك محاسبة وتحمل مسؤولية" من جانب المقصرين. ولدى سؤاله عن ثقته في الأجهزة الأمنية والتحقيقات، التي تجريها في الكارثة، دعا الحريري الأجهزة الأمنية إلى "التعاون مع أجهزة خارجية لكشف حقيقة ما حصل".من ناحيته، أعلن النائب جميل السيد المدير السابق للأمن العام أنه مستعد للاستقالة من النيابة «إذا قررت الحكومة تعييني رئيساً للجنة التحقيق في كارثة المرفأ».«حزب الله» و«النيترات»
بين "حزب الله" و"نيترات الأمونيوم" قصة طويلة، بدأت أولى فصولها في يوليو 2012، عندما اعتقلت السلطات القبرصية عنصراً من الحزب يدعى حسين عبدالله بعد اكتشاف 8.2 أطنان من نيترات الأمونيوم في قبو منزله في العاصمة لارنكا.وفي لندن، كشفت صحف بريطانية العام الماضي، أن السلطات في المملكة المتحدة أوقفت مناصراً لـ"حزب الله" في عام 2015 وهو يخزن 3 أطنان من نيترات الأمونيوم، لكنها أبقت الأمر سراً لعدم التأثير على المفاوضات حول الاتفاق النووي مع إيران.وبعدها بعامين، أي في 2017، داهمت السلطات البوليفية مخزناً كبيراً تابعاً للحزب اللبناني وجد فيه كميات كافية من نيترات الأمونيوم والمتفجرات لإنتاج قنبلة بوزن 2.5 طن.والعام الحالي مع تصنيف ألمانيا لـ"حزب الله" حزباً إرهابياً، داهمت السلطات الألمانية مخازن عدة في جنوب البلاد وجدت فيها كميات كبيرة من نيترات الأمونيوم.يذكر أن الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصرالله، كان رسم في إحدى خطبه سيناريو مماثلاً لما جرى في مرفأ بيروت، أمس، على أن يتم هكذا سيناريو في تل أبيب، وقال في احدى المناسبات "بعض الصواريخ من عندنا إضافة إلى حاويات الأمونيوم في مرفأ حيفا في إسرائيل، وفي منطقة يسكنها 800 ألف نسمة ستكون نتيجتهم نتيجة قنبلة نووية، وسيسقط عشرات الآلاف القتلى". وبعد هذا التهديد قامت إسرائيل بنقل حاويات الأمونيوم.