بعد أقل من 36 ساعة مرت على فاجعة "المرفأ"، سارع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون إلى نجدة لبنان، ولم يكتف بإرسال المساعدات العينية، بل حضر شخصيا ليقدم إلى الشعب اللبناني "رسالة أخوة وتضامن". وبلهجة حاسمة أعلن أنه سيقترح "مبادرة وعقداً سياسياً جديداً على الأطراف كافة"، مؤكدا أنه سيعود "في الأول من سبتمبر لمتابعته، وإن لم يستمع لي المسؤولون فسيكون هناك مسؤولية أخرى من قبلي تجاه الشعب". وتزامنت زيارة ماكرون مع توالي الدعوات من الأطراف السياسية الداخلية، وتحديدا من الأحزاب المعارضة للعهد، إلى إجراء تحقيق دولي في حادث "المرفأ"، وهو ما أصر عليه رئيس الحزب "التقدمي الاشتراكي" النائب السابق وليد جنبلاط، ورئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع.
تفقد المرفأ
وفور وصوله إلى مطار بيروت توجه ماكرون إلى موقع الانفجار في المرفأ لتفقد الأضرار، وقال من موقع الانفجار: "جئت كعربون مساندة اخوية وتضامن مع الشعب اللبناني، لأن هذا هو لبنان، وهذه هي فرنسا، ونظرا لعلاقاتنا الاخوية"، مضيفا: "نسعى لتأمين مساعدات دولية للشعب اللبناني، طبية وأدوية". وتابع: "سأحمل خطابا صريحا وصارما تجاه السلطات، لأن لبنان في أزمة كبيرة اقتصادية ومالية تحتاج الى صراحة، وتحتاج إلى اصلاحات في الكهرباء وقطاعات كثيرة ان لم تحصل فسيستمر غرق لبنان"، مضيفا "نريد مساعدة ميدانية، وسننسق هذا الامر مع الاسرة الدولية ليصل الدعم الى الشعب اللبناني".الرئيس بين الناس
لكن هذا كله في مكان، وما جرى في الجميزة ومار مخايل في مكان آخر. كان من المفترض أن يجول الضيف الفرنسي على المنطقتين على اعتبار أنهما من الأكثر تضررا من الانفجار الذي أطاح مبانيهما التراثية، لكن ماكرون اختار الطريق الأقرب إلى قلب الناس. نزل إلى الأرض في الجميزة بربطة عنق مفكوكة وقميص مرفوع الاكم، وتحدث بصراحة وفرح، وكثير من الإصغاء. تجاوز ماكرون كل البروتوكولات وأبعد عن طريقه رجال الأمن حتى أنه لم ير ضيراً في تأخير موعد لقائه مع الرئيس عون، واستمع إلى مطالب الناس، وأهمها: "لا تعطوا المساعدات إلى حكامنا الفاسدين"، وحاول بهدوء طمأنة المتألمين، قائلا إن "فرنسا تؤيدهم، وتسمع أنين وجعهم"، مؤكدا ان "المساعدات ستكون على الأرض، ولن توضع في أيدي الفساد، ولبنان الحرّ سينهض من جديد". وأضاف: "المساعدات الفرنسية غير مشروطة، وسوف ننظمها كي تصل مباشرة الى الشعب اللبناني وبمراقبة أممية". وتابع: "أتفهم غضب الشعب اللبناني من الطبقة الحاكمة، وهذا الغضب الشعبيّ هو نتيجة الفساد، وهذا التفجير هو نتيجة تجاهل، وأستطيع ان أساعدكم على تغيير الأشياء". وختم: "لست هنا لأدعم النظام او الحكم أو الحكومة". عبارات مقتضبة قالها الرئيس الفرنسي داعيا الشعب اللبناني إلى ايلائه الثقة، فكان التصفيق الحار والهتاف باسم فرنسا في لحظات فقد الناس الأمل في حكامهم، فبات هو خشبة خلاصهم. وتوقف الرأي العام اللبناني عند ردة فعل ماكرون، الذي لم يصافح رئيس الجمهورية تفاديا لفيروس "كورونا"، إلا أنه عانق إحدى السيدات التي تحدثت باسم اللبنانيين في شارع مار مخايل.لقاء الرؤساء
ومن الشارع انتقل الرئيس الفرنسي الى قصر بعبدا، حيث عقد خلوة مع الرئيس عون، قبل أن يجتمع إلى الأخير ورئيسي مجلسي النواب والوزراء نبيه بري وحسان دياب.وقال ماكرون بعد اللقاء: "بعد جولتنا على المرفأ ولقائنا باللبنانيين، الهدف الأساسي هو الدعم الفرنسي للشعب اللبناني"، مضيفا: "نعزي أهالي الشهداء، وهناك ضحايا فرنسيون، وجئت الى هنا باسم الشعب الفرنسي لدعم الشعب اللبناني، ووصلت حتى الآن 3 طائرات فرنسية الى لبنان". وتابع: "نريد ان نعرف أسباب الانفجار، لكن في لبنان أزمة سياسية وأخلاقية عمرها سنوات، وهي خلف الغضب الشعبي، وقد تحدثت مع الرؤساء بكثير من الصراحة، ويجب اتخاذ مبادرات للإصلاح، ووقف الفساد، واصلاح الكهرباء، وثمة ضرورة لإجراء تحقيق شفاف فيما يحصل بالنظام المصرفي، وضرورة استمرار الحوار مع صندوق النقد". وختم "لنظام سياسي جديد في لبنان".فهمي يهدد بالاستقالة
إلى ذلك، أعلن وزير الداخلية محمد فهمي أنه سيستقيل "في حال لم تسمّ لجنة التحقيق بالانفجار ثلاثة أسماء محددة لمحاسبتها بعد انفجار المرفأ". وقال فهمي في تصريح لقناة "الحدث" إن "وزارة الداخلية الحالية أو السابقة لم تتلق أي شكوى مرتبطة بالعنبر 12".تواصل البحث عن المفقودين
ووصل عدد ضحايا انفجار المرفأ إلى 137، وجرحاه إلى حوالي 5 آلاف مصاب في وقت تواصل البحث، أمس، عن المفقودين. وحضرت عائلات المفقودين إلى محيط أنقاض مرفأ بيروت، لتسمع أي خبر عن أبنائها. وبحثت فرق الإنقاذ والدفاع المدني والخبراء عن المفقودين تحت الأنقاض، وفي المناطق المجاورة. فعصف الانفجار وضغطه أديا إلى تحول المرفأ إلى كتلة من الركام. وكان أحد المفقودين الذين قذفهم عصف الانفجار إلى البحر، وجد في البحر حياً مساء يوم أمس الاول، لذا يرجح تطاير جثث مسافات بعيدة في عرض البحر.مساعدات
وتواصل، أمس، وصول المساعدات الى مطار بيروت الدولي. وحطت أول شحنة مساعدات تحتوي على تسعة أطنان من المستلزمات الطبية من مصر، على أن تصل الشحنة الثانية يوم السبت المقبل. وبتوجيه من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز سيسيّر مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية جسرا جويا على مدى ثلاثة أيام سيرسل خلالها طائرات محمّلة بالمواد والأدوات الطبية وبمواد غذائية وإيوائية على أن تصل أولى هذه الطائرات اليوم. كما وصلت طائرة إيرانية، امس، تحمل مساعدات وأدوات طبية، وهي واحدة من أربع طائرات ستصل تباعا إلى لبنان. وحطت طائرة عسكرية تركية محملة بمساعدات طبية وأدوية ومعدات متطورة للكشف عن المفقودين، رافقها رئيس هيئة الإغاثة والطوارئ التركية محمد غوللو أوغلو. كما وصلت طائرة مساعدات روسية إلى المطار محملة بمساعدات إنسانية لتقديم المساعدة للمصابين، اضافة إلى مستشفى متنقل وأطباء ورجال إنقاذ ومختبر للكشف عن الإصابات بفيروس "كورونا".جنبلاط
وقبل 24 ساعة على كلمة الأمين العام لـ "حزب الله" السيد حسن نصرالله، اليوم، أكد رئيس الحزب "التقدمي الاشتراكي" النائب السابق وليد جنبلاط "أننا لا نؤمن لا من قريب ولا بعيد بلجنة تحقيق محليّة ولا ثقة أصلاً بـ «العصابة الحاكمة»، ونطالب بلجنة تحقيق دوليّة، ونحن نشكر الدول العربية التي أتت الى لبنان المجروح ليقولوا نحن معكم رغم كل الصعاب، وأشكر فرنسا". وأضاف جنبلاط في مؤتمر صحافي امس: "باقون في المجلس ونطالب بانتخابات مبكرة خاصة ان استقالتنا ستفتح مجالا لمحور التيار الوطني الحر- حزب الله للسيطرة على كل مجلس النواب". وتساءل: "الانفجار مصادفة أم مؤامرة؟ فالتحقيق سيكشف، ولكن ومن المعلومات الضئيلة التي أملكها أن هذه الكمية الهائلة التي أتت من الأمونيوم الى مرفأ بيروت وبقيت تقريبا 6 سنوات لا تنفجر حتى ولو كانت مواد متفجرة بالأساس أو سامة، فإنها بحاجة إلى صاعق".جعجع
وعلّق رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، أمس، على انفجار بيروت، قائلا: "لا نعتقد أن التفجير ناجم عن الإهمال، ويجب محاكمة السلطة السياسية الحاكمة"، مشددا على ان "السلطة في موقع الاتهام، ونطالب بلجنة تقصي حقائق دولية". ودعا جعجع مجلس النواب الى"عقد جلسة طارئة لاستجواب الحكومة بشأن الانفجار".