رغم أهمية زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمبادرة التي قد يحملها معه لإنقاذ لبنان فإن ما جرى في منطقة الجميزة ومار مخايل اختصر الزيارة قبل أن تبدأ، وخطف الأنظار عما تبقى منها. فبهتافات "الشعب يريد إسقاط النظام" و"ساعدونا"، استقبل اللبنانيون ماكرون الذي تفقد سيراً على الأقدام شارع الجميزة الأثري في شرق بيروت المتضرّر بشدّة من جراء انفجار المرفأ الثلاثاء الماضي. وهتفت الجموع "ثورة ثورة" لدى وصول الرئيس الفرنسي، وقد نزع سترته وأبقى على كمامته قبل أن ينزعها في وقت لاحق ليتحدث إلى الناس. وطمأن ماكرون اللبنانيين بأن بلدهم ليس وحيداً، وأنه يزور بيروت "لا ليدعم الحكم بل الشعب"، مؤكداً أن "لبنان بحاجة إلى تغيير سياسي".
وأعلن أنه "سيقترح خريطة طريق لمساعدة لبنان في الخروج من أزمته وعودته إلى المجتمع الدولي"، واعداً الشعب بأنه سيعود في الأول من سبتمبر المقبل إلى بيروت لمتابعة ما سيطرحه، وإن لم يستمع له المسؤولون فستكون هناك مسؤولية أخرى من جانبه تجاه الشعب". وبدا ماكرون مذهولاً من حجم الأضرار في المنطقة، وتوقف أكثر من مرة للاستماع إلى كل من استوقفه، في وقت كان يتابعه سكان ويلوحون له من شرفات منازلهم أيضاً.ورد الرئيس الفرنسي على الغضب الذي عبر عنه الحشد الصغير الذي لاقاه خلال جولته بأن "المساعدات ستكون على الأرض، ولن توضع في أيدي الفاسدين". وبينما احتج بعضهم على لقائه المسؤولين، ردّد آخرون شعارات ضد رئيس الجمهورية ميشال عون، فقال ماكرون: "أنا مضطر للجلوس معهم، سأقول لهم الحقيقة، وسأسائلهم عما فعلوه"، مضيفاً: "أتفهم غضبكم. لست هنا للتغطية على النظام".
وسار ماكرون على قطع الزجاج المتناثرة في كل مكان، وعاين أبنية بعضها ذات طابع تراثي، ومقاهي تصدّعت واجهاتها ونوافذها، وتكرر على مسامعه طلب المساعدة من مواطنين غاضبين، وردد بعضهم "ساعدونا، أنتم أملنا الوحيد".ولم يتردّد الرئيس الفرنسي حين اقتربت منه سيدة تضع كمامة وقفازات تشكو إليه حالها وحال البلد، في أن يمسك بيديها أولاً ويستمع بإمعان قبل أن يعانقها بشدّة في مشهد مؤثّر في زمن التباعد الاجتماعي مع تفشي فيروس "كورونا"، مما أثار جدلاً على وسائل التواصل الاجتماعي بسبب عدم مصافحة ماكرون للرئيس عون لدى لقائه في بعبدا. ولم ينزل أي مسؤول لبناني بعدُ إلى الشارع عقب وقوع الانفجار الذي دمّر أجزاء كبيرة من العاصمة، وخلّف 137 قتيلاً وأكثر من خمسة آلاف جريح، في وقت ينهمك اللبنانيون منذ يومين في تنظيف الركام والزجاج، ومحاولة إصلاح ما يمكن من منازلهم ومتاجرهم. وعقد ماكرون سلسلة لقاءات في قصر الصنوبر مع القيادات اللبنانية. وبينما قال رئيس تيار "المردة" بعد اللقاء إن "ماكرون تحدث بتغيير أسلوب العمل لا تغيير النظام"، ذكر رئيس الحزب "التقدمي الاشتراكي" النائب السابق وليد جنبلاط، أن "الرئيس الفرنسي قال لنا إن علينا حل مشاكل الشعب من كهرباء ومياه، فهي أهم من مناقشة السياسة وجنس الملائكة".وكان رئيس الحكومة اللبنانية حسان دياب شن هجوماً على وزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان قبل أسبوعين، مؤكداً أن "الزيارة التي قام بها لم تحمل معها أي جديد، وأن لدى الوزير لودريان نقصاً في المعلومات لناحية مسيرة الإصلاحات الحكومية".
السفينة «المديونة» جلبت الموت إلى بيروت
تحت عنوان «انفجار بيروت بدأ بسفينة معطوبة ومديونة»، كتبت صحيفة «نيويورك تايمز»، أن العد التنازلي للكارثة في بيروت بدأ قبل 6 أعوام بسفينة شحن روسية اسمها «روسوس»، توقفت بشكل مفاجئ في ميناء المدينة، وكانت تعاني بسبب الديون ويقودها بحارة غاضبون لأن عليهم سحب المياه من قعرها بسبب ثقب فيها. وإضافة إلى ذلك، كانت تحمل ألفَي طن من مادة «نترات الأمونيوم» القابلة للاشتعال والتي تستخدم في صناعة الأسمدة والقنابل. وكانت السفينة في طريقها إلى موزمبيق التي لم تصل إليها أبداً، بعدما عانت مشاكل مالية وخلافاً دبلوماسياً، دفع صاحبها رجل الأعمال الروسي إيغور غرينشوشكين للتخلي عنها وعن طاقمها. ونقلت المواد فيها إلى مخازن بالميناء وظلت فيها حتى يوم الثلاثاء، عندما انفجرت، ودمّرت أهم مدن الشرق الأوسط. وفي تصريح للصحيفة الأميركية، قال قبطان السفينة حينها، الروسي بوريس بروكوشيف (70 عاماً) والذي تقاعد من عمله: «لقد شعرت بالرعب».وكانت «روسوس» تحمل العلم المولدوفي ووصلت إلى بيروت في نوفمبر 2013 أي بعد شهرين من مغادرتها ميناء باتومي على البحر الأسود. واستأجرها غرينشوشكين الذي حصل على مليون دولار لنقل المادة إلى ميناء بييرا بموزمبيق، حيث اشتراها البنك الدولي في موزمبيق لمصلحة شركة «فابريكا دي إكسبلوسيوف دي موزمبيق»، التي تقوم بعمل المفرقعات التجارية.وكان غرينشوشكين يتواصل من قبرص عبر الهاتف مع طاقم سفينته، الذي تمرّد بسبب عدم دفع غرينشوشكين رواتبهم، وأكد كابتن السفينة أنه لم يكن يملك المال لدفعه من أجل مرور السفينة بقناة السويس، لذلك، قرر غرينشوشكين توجيه السفينة إلى بيروت للحصول على مال إضافي من خلال نقل معدات ثقيلة، إلا أن المعدات كانت ضخمة بدرجة لم تستوعبها السفينة، حسبما قال القبطان.وفي بيروت، تم احتجاز السفينة لعدم تسديدها رسوم الرسو بالمرفأ، وعندما حاول الطاقم الاتصال برجل الأعمال الروسي لكي يرسل المال من أجل الطعام والوقود، لم يستطيعوا التواصل معه. واحتجزت السلطات اللبنانية القبطان والبحارة التسعة، لتطلق فيما بعد 6 بحارة، ولاحقاً أفرجت عن البقية.ونقلت «نيويورك تايمز» عن القبطان أنه استغاث بالسفارة الروسية في بيروت لمساعدته، وجاءه رد السفارة ساخراً: «هل تتوقع من الرئيس فلاديمير بوتين أن يرسل القوات الخاصة لكي تخلصك»؟وأضافت أنه قام ببيع بعض من وقود السفينة لكي يوكّل شركة محاماة، التي حذّرت بدورها السلطات اللبنانية من خطورة المادة التي تحملها السفينة والتي كانت ستغرق أو ستنفجر في أية لحظة.وتابع بروكوشيف أنه لا يزال مديناً بـ60 ألف دولار كرواتب، محملاً مسؤولية الانفجار لغرينشوشكين والسلطات اللبنانية التي أصرت على احتجاز السفينة وترك حمولتها في الميناء بدلاً من «رشها في حقولهم، إذ كانوا سيحصلون على محصول جيد بدلاً من انفجار ضخم».أما سفينة «روسوس»، فقد علم بروكوشيف أنها غرقت في المرفأ بين 2015 و2016 بعدما غمرتها المياه، لكنه استغرب من تأخرها في الغرق.