افتتاحية: اقتراحات واستجوابات عبثية تهدد مستقبل البلاد والأجيال
مع كل استحقاق للانتخابات البرلمانية، اعتدنا أن يستبقه عدد من النواب بإفراغ ما في جعبتهم من وسائل الدعاية الخطابية مغازلين قواعدهم الانتخابية، عبر إعلانهم سيلاً من الاستجوابات العبثية والاقتراحات الشعبوية غير المستندة إلى مصلحة الوطن ككل، في عملية ابتزاز سياسي متكررة غير ناظرين إلى أبعادها، إن هي تحققت كلها أو بعضها.وإذا كنا استنكرنا مع كل انتخابات سابقة اتباع هذا النموذج من الدعاية الانتخابية، أيام ارتفاع أسعار النفط وصحة الميزانية العامة وقوة صندوق الاحتياطي العام، فالوضع اليوم يوجب رفع الصوت برفضه، لاسيما مع ما تعانيه الميزانية والصندوق من ضائقة خانقة في ظل تنامي المصروفات السنوية، والعجز عن تنويع مصادر الدخل الذي كشفته تداعيات أزمة "كورونا"، بعدما ألقت بسلبياتها على مختلف مناحي الاقتصاد المحلي.وإصراراً على تلك النغمة الصاخبة للمقترحات الشعبوية التي تحفل بها مضابط مجلس الأمة، يأتي المقترح النيابي بمد أجل وقف استقطاع أقساط القروض ٦ أشهر إضافية، ليعزف نشيد الاستعداد الأجوف للانتخابات المقبلة، فتوقيع أكثر من 40 نائباً على تمديد وقف استقطاع الأقساط، وإن كان يضر القطاع المصرفي والعديد من المؤسسات العامة كالتأمينات الاجتماعية وبنك الائتمان وصندوق الأسرة، فإنه أيضاً من زاوية أعمق يعكس استخفافاً بآلية المقترح النيابي ذاته، إذ إن سداد القروض أمر يتم بموجب تعاقدات البنوك مع المقترضين وفق قواعد الائتمان وقوانين بنك الكويت المركزي، وبالتالي فإن إصدار مجلس الأمة قانوناً في هذا الشأن يعد تدخلاً في غير اختصاصه.
وإذا كانت خسائر البنوك المحلية التي أعلنت طواعية وقف استقطاع تلك الأقساط من أبريل الماضي إلى أكتوبر المقبل، مراعاةً لظروف "كورونا"، تناهز ٤٠٠ مليون دينار، فإن مد أجل وقف الاستقطاع عبر إصدار قانون أو قرار قسري، سيعني كذلك خسائر مماثلة، وربما أكبر للقطاع المصرفي، بـ 400 مليون أخرى، مما يحمِل البنوك على طلب التعويض من الدولة بسبب الضرر الذي سيصيب، ولو مؤقتاً، نحو 100 ألف مساهم جلُّهم من صغار المستثمرين والمتقاعدين، الذين يعولون في تنويع مداخيلهم على أسهم تشغيلية، ولم يدر بخلدهم يوماً أنها ستكون ضمن ألاعيب نيابية انتخابية، فضلاً عن أن الضغط على البنوك في إيراداتها وأرباحها سيجعلها تفكر مجبرة في التخلي عن العمالة الوطنية أو على الأقل وقف توفير فرص عمل لها، زد على ذلك التقليل من جاذبيتها وجاذبية بورصة الكويت لدى المستثمرين الأجانب، وبالتالي نخسر ما يجب أن نحافظ عليه بعدما بذلنا فيه الكثير من الجهد لنبلغه، ولاسيما أن معظم أسهم البنوك الكويتية باتت اليوم مدرجة على المؤشرات الدولية، مثل "فوتسي راسل" و"مورغان ستانلي".لا ضرر في أن يفكر النواب في تحقيق المنفعة للمواطنين، بل هذا هو المطلوب، بشرط أن تكون تلك المنفعة حقيقية ومستدامة، وذات عائد اقتصادي للدولة، كأن يفكروا فيما يمكن فعله بمبلغ الـ 400 مليون هذا من مساكن ومستشفيات وخدمات، أو يفكروا في أنها تكفي لنحو 6000 قرض إسكاني المواطنون في حاجة إليه، أو لتوفير 30 ألف فرصة عمل يحتاجها الشباب، مع إدراكهم للآثار التضخمية السلبية الناتجة عن هذه النوعية من المقترحات، حتى على الناخب نفسه، وإن كان المقصود منفعته!يعرف النواب قبل غيرهم أن أوضاع الاحتياطي العام لا تتحمل المزيد من الضغوطات، حتى تغطي عجز المؤسسات المستقلة كالتأمينات الاجتماعية أو بنك الائتمان، حال توقف عملائها عن سداد مستحقاتهم، مع العلم أن رواتب موظفي الدولة مستمرة، وحتى رواتب موظفي القطاع الخاص الذين حصلوا على دعم حكومي استثنائي من بند دعم العمالة الوطنية.