تعرّضت بيروت لدمار هائل نتيجة انفجار ضخم ينجم على الأرجح عن إهمال كبير في التعامل مع مادة نترات الأمونيوم المُخزّنة في المرفأ، وفي حين تتابع المدينة لملمة أنقاضها ويبحث آلاف الناس عن أحبائهم المفقودين، تسارع بلدان مثل تركيا وإيران وقطر وفرنسا إلى تقديم المساعدة، لكن لا يزال وجود حزب الله يخيّم حتى الآن على بيروت، فهو يملك شبكة من 150 ألف صاروخ ويخزّن عدداً كبيراً منها في مناطق مدنية في أنحاء البلد.لم يتلقَ حزب الله اللوم على حريق المستودع الذي أدى إلى الانفجار الضخم في 4 أغسطس، لكن يقال إنه استورد وخزّن كميات مشابهة من الذخائر والمواد الكيماوية الخطيرة المستعملة في المتفجرات، على غرار نترات الأمونيوم، كذلك، شارك حزب الله في إنشاء النظام السياسي الفاسد والمُهمِل الذي لم يتعرّض للمحاسبة يوماً، وهذا ما سمح بتخزين تلك المواد الكيماوية القاتلة في المرفأ منذ سنوات.
يُفترض أن يطلق الانفجار الأخير في لبنان تدقيقاً مضاعفاً على دور حزب الله في استنزاف مؤسسات الدولة والسماح بالإهمال الفاضح الذي سبّب هذه الكارثة، ومن المتوقع أن يتخبط الحزب في ردّه على ما حصل لحماية نفسه، فيلقي اللوم على الآخرين أو يطرح نفسه كمنقذ للوضع، وهذا ما فعله سابقاً. بعد شن هجوم على إسرائيل في عام 2006 استغل حزب الله الخراب الذي خلّفته الحرب لترسيخ مكانته وإغناء نفسه، كما أنه طبّق هذه المقاربة في الحرب الأهلية السورية التي بدأت في عام 2011، فاستغل الحرب في البلد المجاور كعذر لإرسال المقاتلين إلى سورية وأدار السياسة الخارجية اللبنانية بدل الحكومة.أصبحت نتائج مخططات حزب الله واضحة: ضمان استمرار التوتر مع إسرائيل، ونقل بيروت التي كانت مزدهرة سابقاً من فشل إلى آخر، بدءاً من انقطاع التيار الكهربائي وصولاً إلى غياب أبسط الخدمات للمواطنين، فأصبح لبنان يمر بأزمة مالية حادة ويحتاج إلى خطة إنقاذ بقيمة 93 مليار دولار تقريباً، فاقترح حزب الله أن يلجأ لبنان إلى الصين طلباً للمساعدة لأنه يحاول استبدال النفوذ الأميركي في لبنان بالصين وإيران وخصوم آخرين للولايات المتحدة، وقد يحاول راهناً أن يستفيد من الدمار الحاصل لإحكام قبضته على البلد عبر استعمال شبكة الخدمات الاجتماعية والمتطوعين فيه.ما العمل لمعالجة مشاكل لبنان المتصاعدة التي زادت سوءاً الآن بعد هذا الانفجار المأساوي ولإضعاف نفوذ حزب الله؟ في المقام الأول، يجب أن يُعزَل هذا الحزب من النظام المالي ويُمنَع من تلقي الأسلحة من إيران، ففي السنوات الأخيرة سعى حزب الله إلى اكتساب ذخائر دقيقة التوجيه وإنشاء مصانع لها في لبنان وهدّد البنى التحتية الإسرائيلية، حتى أن أمين عام الحزب، حسن نصرالله، هدّد في أحد خطاباته في عام 2016 باستهداف مخزن لنترات الأمونيوم في إسرائيل والتسبب بانفجار مشابه لما أصاب بيروت، فمن الواضح إذاً أن الحزب يعرف حجم الدمار الذي يريد إحداثه في إسرائيل والتهديد الذي يطرحه، وقد كشف "مركز أبحاث ألما" الإسرائيلي حديثاً أن حزب الله يملك 28 موقعاً لإطلاق الصواريخ في محيط بيروت، ويوضح الانفجار الأخير ضرورة أن يوقف هذا الحزب استعمال المناطق المدنية لتخزين الأسلحة في لبنان.لكنّ عدداً كبيراً من البلدان التي تريد مساعدة لبنان لن يحاول على الأرجح تهميش حزب الله، فقد تتعاون روسيا وإيران والصين مع نصر الله في حين تغفل تركيا وقطر وفرنسا عن دور حزبه، أما المملكة العربية السعودية التي كانت من أبرز داعمي لبنان وأدت دور الوساطة لعقد الاتفاق الذي أنهى الحرب الأهلية في عام 1989، فهي تعارض دور حزب الله على غرار دول خليجية أخرى مثل الإمارات العربية المتحدة، كما تستطيع الولايات المتحدة من جهتها أن تساعد لبنان وتشرف على إعادة إعماره وتقدم الاستشارات حول المعايير المالية وعمليات التفتيش في المرفأ تزامناً مع تهميش حزب الله.في أعقاب الكارثة، ستصبّ الجهود على إيجاد المفقودين وتجنب الانهيار الاقتصادي أو تفاقم الأزمة الصحية في ظل تفشي وباء "كوفيد-19"، ولكن بعد مرور هذه المرحلة يجب ألا تهدأ الأوضاع بكل بساطة ويكتسب حزب الله قوة متزايدة وتبقى أسلحته غير المشروعة ومستودعاته المليئة بالذخائر منتشرة في المناطق المدنية، وإذا استفاد حزب الله من كارثة انفجار المرفأ فكل ما سيفعله هو تسريع انهيار اقتصاد لبنان وأخذ البلد رهينة في حرب مستقبلية مع إسرائيل. * سيث ج. فرانتزمان* «ناشيونال ريفيو»
مقالات
حان الوقت للتخلص من قبضة «حزب الله» ومخازن صواريخه الخطيرة!
10-08-2020