الظروف تستدعي سياسة خارجية جديدة
وقع جزء كبير من الأحداث التي غيّرت وجه العالم من دون ضجة واسعة بل في أجواء شبه هادئة، فمنذ بضعة أيام جلس دبلوماسي يوناني مخضرم مع قاضٍ ألماني ومستشار مقرّب من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على الطاولة نفسها في مبنى صغير بالقرب من دار المستشارية الألمانية في برلين، فهذا المشهد كان غير وارد منذ بضع سنوات، لأن الوسطاء الوحيدين بين اليونان وتركيا منذ عام 1950 كانوا أميركيين، إذ يُعتبر دين أشيسون وكلارك كليفورد وسايروس فانس وريتشارد هولبروك من أشهر الوسطاء في قبرص أو منطقة بحر إيجه عموماً.لكن الظروف تتغير بسرعة من حولنا وفي أنحاء العالم، فقد انسحبت الولايات المتحدة وتقوقعت على نفسها، فانهارت آليات السياسة الخارجية التقليدية، وقد ينقل أي سفير حيوي وكفؤ صورة مختلفة عن الرأي العام المحلي، لكن لا يمكن إخفاء الحقيقة وأردوغان يدرك هذا الوضع للأسف.في منطقتنا نشعر بالتحولات المدوّية التي تشهدها الساحة العالمية وكأنها صدى بعيد، ولكن حان الوقت للتخلص من الأدوات القديمة التي نستعملها لتحليل أحداث العالم، وبرأيي الخاص لم نعد نستطيع أن نحكم شيئاً بعد الآن، ويجب ألا يتفاجأ أحد مثلاً حين تطرح موسكو نفسها كوسيط في حال احتدام التوتر مجدداً بين اليونان وتركيا، فقد أدت روسيا دور الوساطة على جبهات متعددة وقد يؤدي تكرارها لهذا الدور بين عضوَين من حلف الناتو إلى زيادة هيبتها، فلا أحد يحب الفراغ وقد تركت الولايات المتحدة فراغاً كبيراً وراءها ولا مفر من أن يسدّه الآخرون.
في غضون ذلك نتابع البحث عن علاقات استراتيجية يمكن استعمالها كـ"بوليصة تأمين" ضد أنقرة. لقد جرّبنا هذه المقاربة مع فرنسا لكننا غيّرنا رأينا، وتوقعنا نهجاً مماثلاً مع إسرائيل لكنّ العلاقة معها لم تبلغ تلك المستويات يوماً، ولم تصبح الصين جزءاً من حساباتنا لأنها لم تُعبّر عن استعدادها للتدخل. فيما يخص الولايات المتحدة أخشى أن نكون معتادين على تضخيم المسائل البسيطة وتفسيرها بالطريقة التي تناسبنا، إذ لم تزعم واشنطن يوماً أنها تُزوّدنا بـ"بوليصة تأمين"، بل كنا نعرف بكل بساطة أننا نستطيع الاتصال برقم الطوارئ الذي أعطتنا إياه وهي تردّ علينا عند الحاجة.برأيي المتواضع، أفضل ما يمكن فعله في هذه الظروف هو كسب الوقت والحفاظ على الهدوء، فلا يزال مستقبل تركيا غير متوقع ومحفوفاً بالمخاطر، ونحتاج إلى الوقت لتحديث قواتنا المسلّحة وإطلاق مسار التعافي في البلد ككل، كما نحتاج إلى الوقت أيضاً لمعرفة نتيجة التطورات الحاصلة قبل أن نصمّم سياستنا الخارجية الجديدة. * ألكسيس باباشيلاس* «كاثيميريني»