هل يتكرر السيناريو الليبي من مرفأ بيروت؟

تتسارع وتيرة الأحداث السياسية في لبنان عقب التفجير "اللغز" الذي حصل في مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس، وإن تسارع هذه الوتيرة لا يعود إلى حجم الدمار والخراب وعدد القتلى والجرحى والمفقودين فحسب، إنما إلى حجم الفساد المستشري في الدولة على صعيد النظام والسلطات والإدارة العامة، وقد جاء هذا التفجير ليتوج مرحلة من الامتناع الدولي عن لبنان كي لا نقول الحصار، للضغط باتجاه تحميل حزب الله مسؤولية كل ما حصل ويحصل، وقد أثمر ذلك فظهرت في بيروت وكل المحافظات اللبنانية شعارات ومقولات تطالب بنزع السلاح غير الشرعي من كل الأيادي وحصره بالشرعية المتمثلة بالجيش والقوى الأمنية، وكان على حزب الله أن يدلي بدلوه بعد سيل الاتهامات التي وجهت إليه، فهو الممسك بيد من حديد بالمرافئ والمرافق والمطار والمعابر وبالأخص بمرفأ بيروت المدمر بنيترات الأمونيوم، وبالفعل ظهر أمينه العام على الشاشة ليتحدث بلغة مدروسة العبارات كمن يمشي بين نترات المطر، دون أن يستطع أن يقنع الكثير من اللبنانيين بخطابه الذي حمل عنوان "البراءة"، ليترك السؤال دون إجابة وهو السؤال القائل: من فجر، ولماذا؟

ومن جانب آخر، سارع المجمتع الدولي بقيادة فرنسية لتحمل مسؤولياته الأخلاقية ووقف العرب في طليعة مادّي يد المساعدة للبنان، فشيدت الجسور الجوية والبرية كي لا يكون اللبنانيون مرة أخرى فريسة السلطتين الرسمية وسلطة الأمر الواقع، وكانت طلائع المساعدات من دولة الكويت التي لطالما انغرست كدولة شقيقة في وجدان اللبنانيين مسلمين ومسيحيين، إذ هبطت في مطار بيروت الطائرات الكويتية المحملة بالأطنان من المواد الغذائية والطبية والصحية عقب الانفجار معلنة بناء جسر جوي للمساعدات، وإذا كان مفهوما أن مد الإخوة العرب يد العون للبنانيين منطلق من الغيرة العربية، فالسؤال يبقى مشروعا عن التوغل السياسي والأخلاقي الغربي الذكي والذي لاقاه اللبنانيون بغالبية مدهشة نابعة من وجع وألم حقيقيين.

بدأت القصة مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي لم ينتظر انتهاء الأربع وعشرين ساعة ليحط رحاله في لبنان، فتعاطى معه اللبنانيون بعفوية لافتة كرئيس للجمهورية اللبنانية، وهو التعاطي الذي يعكس رغبة جامحة لدى غالبية لبنانية في قيادة سياسية وطنية غير فاسدة وغير ميليشياوية. ماكرون وبخ كل المسؤولين وقادة الأحزاب وقال للناس المفجوعة: "لستم وحدكم".

واستكملت القصة بترميم فرنسا مؤتمرا دوليا رقميا لمساعدة الشعب اللبناني، سبقتها مظاهرات غضب قوية عمت بيروت قام خلالها المتظاهرون بفرض السيادة على عدد من الوزارات المهمة، مسبوقة بدورها ببعض الاستقالات في المجلس النيابي، كان البارز فيها استقالة كتلة أقدم الأحزاب المسيحية وأكثرها عراقة في الوجدان المسيحي، وأقصد حزب الكتائب اللبنانية، لتتالى في اليوم الثاني حملة استقالات متناسلة لنواب ووزراء، وهو مشهد ذكرنا بالمشهد الليبي عام 2011 عندما اندلع حراك كبير ضد النظام في هذا البلد، وتمت مؤازرة ذلك الحراك بانشقاقات سياسية كبرى افتتحها وزير الخارجية والتعاون الدولي آنذاك عبدالرحمن شلقم، وكان الهدف منها تعرية النظام وإظهاره بمظهر المتهالك كيف لا وأوراقه تتساقط ورقة ورقة.

في قراءة مبسطة للمعادلة اللبنانية، انطلاقا من التفجير الهستيري، يتبين لنا أن التفجير طال بشكل مباشر المنطقة الشرقية من بيروت، أي بيروت المسيحية، وإذا ما راجعنا حملة الاستقالات أو الانشقاقات وجدناها في بياضها الأعظم مسيحية اللون، لا بل إن الكاميرا الإعلامية المحلية والدولية نجد عدستها متمركزة في أحياء بيروت الشرقية، فكيف يمكن تفسير ذلك؟

ربما لا تكون الإجابة أهم من تكملة القصة، فالقصة تحتاج رفع الغطاء المسيحي الذي أمنه التيار العوني لحزب الله وفق اتفاق مار مخايل، وإذا كان من غير المتيسر إنزال التفرقة داخل التيار العوني، فقد يكون يسيرا تأمين رأي عام مسيحي شعبي وسياسي رافض للنظام الحاكم، أي النظام المشكل من الثنائي عون نصرالله، وهذا ما يحدث اليوم، وهذا ما يتم التعبير عنه بانتخابات مبكرة يتم بنتيجتها طرد التيار العوني من معادلة التمثيل المسيحي القوي.

إن كل ذلك يعني أن تحالفا غربيا عربيا يعمل على تضييق الخناق على حزب الله، وهو تحالف بات يستحوذ على شرعية حزبية أمنها الرئيس الفرنسي الذي عزف على وتيرة الرعاية التاريخية للمسيحيين من قبل فرنسا.

ماذا يعني كل ذلك؟ هل يعني أن الذي حصل في مرفأ بيروت كان عملا عسكريا خارجيا وجد حليفا له في سكوت حزب الله الذي لطالما اتهم إسرائيل بكل الاغتيالات التي حصلت في لبنان وكل التفجيرات التي طالت حتى الصحراء اللبنانية؟ بالطبع لا يمكن لإسرائيل ادعاء ارتكاب جرم إبادة كما لا يمكن لحزب الله اتهامها بقصف أشياء تعود له في مرفأ خاضع للسيادة اللبنانية وفق ما هو مفترض.

لكن كل ذلك لا يعني أن الأيام المقبلة لن تشهد العديد من المفاجآت في لبنان.