لم تتمكن حكومة حسان دياب اللبنانية من الصمود، فبعد أقل من أسبوع على الانفجار الهائل الذي دمر مرفأ بيروت وبضعة أحياء في العاصمة، مخلفاً خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات، انهارت حكومة "اللون الواحد" من الداخل، وخرج رئيسها ليعلن الاستقالة بعدما تمسك للحظة الأخيرة بالوزارة. وسبق إعلان دياب الرحيل، استقالات 4 وزراء من أصل 20 وزيراً، لم يتمكنوا في ظل ضغوط شعبية وسياسية ودولية من الاستمرار في مناصبهم. وكان وزراء آخرون هددوا بالاستقالة، مما شكل ضغطاً إضافياً وحسم موضوع الاستقالة.
وعلى وقع التظاهرات الغاضبة التي استمرت أمس بنفس الزخم لليوم الثالث على التوالي، أسقطت الحكومة التي كانت تعتبر حكومة "حزب الله" أو حكومة حلفاء طهران، نفسها بنفسها، بدلاً من أن تسقط كما كان متوقعاً في مجلس النواب الذي دعا رئيسه نبيه بري إلى جلسة مساءلة كانت أشبه بمقصلة في ظل الغضب الشعبي.وفي كلمة وجهها إلى اللبنانيين، قال دياب إن «الفساد أكبر من الدولة»، وما جرى في بيروت هو «انفجار أحد نماذج الفساد»، كما هاجم القوى السياسية الأساسية. ودعا إلى تغيير الطبقة السياسية واصفاً إياها بـ «مأساة الشعب اللبناني».وقالت مصادر لبنانية إن مبادرة دياب بالحديث عن انتخابات مبكرة من دون استشارة رعاته السياسيين كانت أول أسباب اتخاذ قرار برحيله، مضيفة أن السبب الثاني كان قراءة "حزب الله" لنتائج مؤتمر المانحين في باريس، لناحية دعوة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الهدوء، وتحذير الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من الانزلاق إلى الفوضى، لكن مع الإحجام عن منح مساعدات سخية والتمسك بعدم إعطاء الحكم أي غطاء دولي.
وبينما اتسعت حركة الاستقالات من مجلس النواب بانتظار ما ستسفر عنه الاتصالات بين حزب "القوات اللبنانية" والحزب "التقدمي الاشتراكي" و"تيار المستقبل"، التي رفعت سقف معارضتها داعية إلى تبكير موعد الانتخابات، ومتمسكة بإجراء تحقيق دولي فيما جرى بالميناء، قالت المصادر إن حكومة دياب، أو ما تبقى منها، ستستمر في تصريف الأعمال حتى يتم التوصل إلى بديل يعكس التغيرات الجديدة.وتحدثت المصادر عن ثلاثة سيناريوهات، بينها استمرار دياب في تصريف الأعمال حتى إجراء انتخابات نيابية مبكرة تعيد تشكيل السلطة، أو تعيين حكومة حيادية تُجهّز للانتخابات، والخيار الثالث وهو الأبعد، يتضمن تشكيل حكومة وحدة وطنية تقر الإصلاحات الاقتصادية التي يطالب بها البنك الدولي، وتعدل قانون الانتخابات وصولاً إلى الاقتراع المبكر.وأشار مراقبون إلى إمكانية الوصول إلى سيناريو رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، أي تعيين رئيس حكومة يكون أقرب إلى واشنطن لكنه يبقى أسير الأغلبية النيابية المتحالفة مع طهران. وكان الكاظمي وصل إلى رئاسة الحكومة بعد ضربة أميركية كبيرة لطهران، تمثلت بقتل الجنرال قاسم سليماني في يناير الماضي.وتداول مراقبون في هذا الإطار اسم السفير نواف سلام، الذي طُرِح لرئاسة الحكومة بعد استقالة رئيس تيار المستقبل سعد الحريري ورُفض من "حزب الله"، وكذلك اسم محمد بعاصيري الذي شغل منصب نائب رئيس مصرف لبنان.وبانتظار ما ستحمله زيارة وكيل وزارة الخارجية الأميركية ديفيد هيل لبيروت والاختراق الذي جرى الحديث عنه في ملف ترسيم الحدود مع إسرائيل، تلقى الرئيس عون أمس اتصالاً من ماكرون، الذي أعلن أنه سيزور بيروت مجدداً في سبتمبر.