لبنان: رحيل حكومة حسان دياب عطّل الانتخابات المبكرة... والشارع يرفض المساومة
• الحريري لن يترأس حكومة يشارك فيها «حزب الله» وباسيل
• «الحر» لا يعارض نواف سلام... و«الثنائي الشيعي» يسعى لحكومة وحدة وطنية
انطلقت المشاورات في الكواليس السياسية لتأمين بديل لحكومة حسان دياب وسط تساؤلات كثيرة حول قدرة الأقطاب الموالين والمعارضين على الاتفاق بشأن اسم وتركيبة مرضية لهم من جهة، وللشارع والمجتمع الدولي من جهة ثانية، في مهلة قصيرة، لاسيما أن البلاد لا تحتمل مماطلة وتسويفاً، علماً أن أي دعوة لاستشارات نيابية لن توجهها الرئاسة في بعبدا، كما يبدو، قبل الاتفاق على هاتين المسألتين.
ماتت حكومة الرئيس الوزراء اللبناني المستقيل حسان دياب، أمس الأول، بعد أن اقترف رئيسها ذنب تجاوز مَن أتى به إلى السراي (حزب الله) بطرحه انتخابات نيابية مبكرة، وقد رأى هؤلاء في التضحية به فرصة مزدوجة لحرف النظر عن مطلب استقالة رئيس الجمهورية ميشال عون إضافة إلى إجراء انتخابات نيابية مبكرة.ولفتت مصادر سياسية متابعة، أمس، إلى أن "اتصالات الساعات الأخيرة سحبت من التداول ملفين متفجرين كان من شأنهما أن يطيحا ما تبقى من مقومات الدولة باعتبارهما انقلاباً سياسياً واضح المعالم، وهما استقالة رئيس الجمهورية والانتخابات النيابية المبكرة". وتابعت: "تبيّن أن القوى الرئيسية في الموالاة والمعارضة اجتمعت على ذلك، مما أدى الى محاصرة الرأي القائل باستقالة الرئيس والانتخابات المبكرة، وتالياً إبطال مفعول ما كانت يتحضر حزب القوات اللبنانية لإعلانه، وسماه رئيسه سمير جعجع بالموقف الكبير".
وقالت المصادر، إن "التطورات الحكومية، بدءاً من خطاب ما قبل استقالة دياب مساء الأحد الماضي، أَملَت على الفريق الحاضن للحكومة المستقيلة خياراً من اثنين: إما إنقاذ الحكومة وإما إنقاذ المجلس، فتقرر التضحية بالحكومة للحفاظ على المجلس. وأدت هذه المعادلة إلى سحب ورقة استقالة نواب المستقبل والاشتراكي وأي مفاعيل كان يجري التحضير لها".
اجتماع عين التينة
وتداعت قوى السلطة، مساء أمس الأول، لدرس خياراتها وعقد لهذه الغاية لقاء في عين التينة، جمع رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل والمعاون السياسي للأمين العام لـ"حزب الله" حسين الخليل، خرج باتفاق، ليس الحزب "التقدمي الاشتراكي" بعيداً منه، تماماً كتيار "المستقبل"، يقضي بالذهاب نحو حكومة تحظى بموافقة القوى السياسية، في مقابل التخلّي عن طرح الانتخابات النيابية المبكرة، وتالياً الانتخابات الرئاسية المبكرة". وقالت المصادر إن "باسيل لم يبد اعتراضاً على حكومة حيادية"، مشيرة إلى أن "موقفه يعود إلى الضغوط الدولية في اتخاذ إجراءات بحق كل من يعرقل أي مسعى سياسي". وأضافت: "حزب الله وأمل توافقا على رفض تشكيل حكومة حيادية، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، برئاسة الحريري أو من يسميه، إلا أن زعيم المستقبل أكد لبري في اتصال إنه لا يزال على شروطه: عدم مشاركة حزب الله وباسيل في أي حكومة يرأسها".مشاورات قبل الاستشارات
إلى ذلك، تتجه الأنظار إلى قصر بعبدا حيث كشفت مصادر مطلعة على موقف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أنه "يفضل قيام مشاورات سياسية قبل الاستشارات النيابية الملزمة ليكوّن رؤساء الكتل خياراتهم". وأشارت المصادر إلى أن "الجو العام في بعبدا يتجه نحو تشكيل حكومة وحدة وطنية لكن التوجه حول نوعية الحكومة ودورها ومهمتها لا يمكن أن يحسم إلا بعد جس نبض الكتل النيابية". وأضافت المصادر أن "الرئيس عون يسعى لتشكيل حكومة فاعلة ومنتجة وقوية، والإفادة من تجربة الحكومة المستقيلة، وتحديداً نقاط الضعف التي اعترتها، بدءاً وليس انتهاء بما سمي تجربة التكنوقراط التي لم تكن على قدر التطلعات. وهي تجربة غير مرشحة لأن تتكرر في المدى المنظور بعدما ثبتت هشاشتها بفعل نقص الخبرة السياسية".نواف سلام
وفي وقت عاد اسم السفير السابق لدى الأمم المتحدة نواف سلام إلى التداول لترؤس الحكومة المقبلة، قالت مصادر سياسية لقناة LBC أمس، إن "النقاش المحلي والدولي في هوية رئيس الحكومة العتيدة محصور بين الحريري وسلام، والأخير يحظى على ما يبدو بدعم أميركي - فرنسي - عربي مشترك". وأشارت المصادر إلى أنه "تم استمزاج رأي التيار الوطني الحر فلم يبدِ أي معارضة، علماً أن باسيل كان وافق على سلام عندما عرض اسمه الحريري ليترأس أول حكومة بعد استقالة الحريري أكتوبر الماضي". وكان غرد باسيل عبر"تويتر"، أمس، قائلاً: "امّا وقد استقالت الحكومة، الأولوية الآن للاسراع في تأليف حكومة منتجة وفاعلة وإعادة بناء الثقة بالدولة... نحن في التيار أوّل من يسهّل وأوّل من يتعاون".زيارات دبلوماسية
وسط كل هذه التطورات، وصل وزير الخارجية المصري سامح شكري إلى لبنان أمس، وأعلن بعد لقائه الرئيس عون في بعبدا، "أننا مستعدون للوقوف الى جانب الشعب اللبناني الشقيق ولدينا ثقة بقدرته على تجاوز الأزمة ومواجهة التحديات التي فرضها تفجير المرفأ". وقال شكري: "هناك تراكمات سببت الكثير من المعاناة والتحدي، ومن الضروري العمل على الأولويات الخاصة للشعب اللبناني وإعادة الإعمار". وتابع: "نكثف الجهود في المجالات كافة، ونوفر الجسر الجوي للمساعدات الإغاثية والإنسانية كما الجسر البحري لإعادة الإعمار، ومستعدون للوقوف إلى جانب الشعب اللبناني". كما وصل إلى بيروت أمس وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي الذي قال من قصر بعبدا، إن "المستشفى الميداني الأردني سيبقى طالما هناك حاجة إليه وستكون هناك طائرات تحمل مساعدات لبيروت وأولها يصل غداً، ولبنان لن يكون وحيداً في مواجهة تداعيات الانفجار".في موازاة ذلك، قام مدير الوكالة الأميركية للتنمية الدولية جون بارسا، أمس، بجولة تفقدية على مرفأ بيروت والمناطق المتضررة في منطقة مار مخايل كما زار الخيمة التابعة للوكالة قبالة مرفأ بيروت، وشارك بارسا في أعمال إزالة الركام والزجاج شخصياً على الأرض في بيروت، والتقى أصحاب المنازل والمحال المتضررة، بحضور السفيرة الأميركية في لبنان دوروثي شيا. وأكّد بارسا أن "الشعب الأميركي يقف إلى جانب الشعب اللبناني، لافتاً إلى أن الإدارة الأميركية تعهدت بمساعدات فورية بقيمة 17 مليون دولار"، موضحاً أنه لن يلتقي "أي مسؤول لبناني وأنها المرة الأولى التي يزور فيها لبنان". ولفت إلى "أننا هنا لنقيم الاحتياجات الآنية وطويلة الأمد وهناك مساعدات على الطريق"، مؤكداً أن "مساعداتنا لا تمر عبر الحكومة بل تذهب إلى الشعب مباشرة عبر شركاء".إلى ذلك، عقد وزير الصحة العامة في حكومة تصريف الأعمال حمد حسن اجتماعاً مع مسؤول الطوارئ في منظمة الصحة العالمية ريك برينن، ولفت حسن إلى ارتفاع عدد ضحايا إنفجار المرفأ، "إلى 171 ضحية فيما يتراوح عدد المفقودين بين 30 و40 مفقوداً"، كما يتطلب "نحو 1500 جريح علاجات دقيقة خاصة، علماً أن 120 جريحاً لا يزالون في العناية الفائقة".وبعد ظهر، أمس، تجددت التظاهرات في بيروت للمطالبة بمحاسبة المسؤولين عن التفجير ورفضاً لأي مساومة. وعبر المحتجون الذين قطع بعضهم الطريق البحري المؤدّي إلى المرفأ، عن رفضهم تشكيل حكومة وحدة وطنية أو إجراء انتخابات نيابية مبكرة، وتمسّكوا بمطلبهم برحيل كل الطبقة السياسية الحاكمة الحالية.