على الأميركيين وحلفائهم مواجهة مساعي الصين للهيمنة على العالم
الموضوع الذي يشغل الأوساط الأميركية في الوقت الراهن هو التعامل مع وباء "كوفيد-19" المستجد وتداعياته على القيادة الأميركية، لكن ماذا عن الرد الأميركي الشائب على الانتهاكات الصينية وانعكاساته على النظام العالمي الذي تقوده واشنطن؟يحتاج العالم إلى الولايات المتحدة كي تقوده في مختلف المجالات، لكنها لا تستطيع أن تؤدي هذا الدور وحدها. واقعياً، ستضطر واشنطن للتعاون مع حلفائها وشركائها ومع القطاع الخاص أيضاً إذا أرادت أن تتعامل بفاعلية مع الصين، كذلك قد تضطر لتحديث مقاربتها لإنشاء بيئة تنافسية معاصرة. هذا الزمن لا يشبه الحرب الباردة ولن تتمكن الولايات المتحدة من حماية النظام العالمي عبر استثمارات عسكرية. تخوض بكين المنافسة بطريقة جديدة تطاول مختلف المجالات التجارية والعسكرية، ويعمد الحزب الشيوعي الصيني إلى إعطاء طابع عسكري لاندماجه في الأنظمة العالمية، فتتلاعب الصين بهيئات متعددة الجوانب كي تتمكن من تحديد المعايير الدولية، منها مجموعة الخمس، وقطاع التكنولوجيا المالية، واللوجستيات العالمية، وقواعد التسوية التجارية.تُوجّه الصين شركاتها، بدعمٍ من الإعانات الحكومية، كي تندمج في النظام التجاري الدولي لسرقة التكنولوجيا الخارجية وتعزيز اتكال الخارج عليها وتفريغ الصناعات الأجنبية، إذ أمضت الصين آخر عقدَين وهي توسّع سيطرتها على الإمدادات العالمية من المواد الخام الأساسية لاكتساب النفوذ بالإكراه.
كذلك أمضت الصين آخر عقدين وهي تفرض هيمنتها على سلاسل إمدادات محورية لتحقيق الغاية نفسها، يستعمل الحزب الشيوعي الصيني النفوذ التخريبي الذي يكسبه نتيجة هذه الاستراتيجيات لكبح الردود الضرورية التي يُفترض أن يطلقها انتهاك بكين الفاضح للمعايير العالمية. يجب أن تجابه الولايات المتحدة وحلفاؤها وشركاؤها المقاربة التنافسية الصينية الجديدة، ورداً على انتهاكات الصين الفاضحة، يُفترض أن يعملوا على تحديد معايير التفاعلات التجارية والمالية والتكنولوجية العالمية وإعادة ضبطها، فهذا الوضع يستدعي طرح نسخة جديدة ومطوّرة من "نظام بريتون وودز" للعلاقات التجارية والمالية بين الدول الصناعية الكبرى. كذلك، يجب أن يضاعف هذا المعسكر استثماراته في أسس الاقتصاد المعاصر، أي المواد الخام والقدرات الصناعية والبنى التحتية، مما يعني طرح نسخة أخرى من "الصفقة الجديدة" على أن تحذو حذو "خطة مارشال".على المدى القصير، يجب أن تفكر الولايات المتحدة بالرد على انتهاكات الحقوق المدنية التي ترتكبها الصين في هونغ كونغ عبر تصعيد أفقي للوضع وتعزيز مواقعها بشكلٍ استباقي، فما الذي سيحصل إذا اعترفت واشنطن بتايوان قريباً؟ هذه المناورة الدبلوماسية قد تُمهّد لتنسيق الجهود وتعزيز التعاون الأمني اللازم لإنشاء نظام ردع واسع وجدير بالثقة.قد يبدو هذا الرد الأميركي والعالمي الطموح على الصين غير مألوف، لكنه ضروري، وقد استهدفت بكين هونغ كونغ منذ شهرين وقد تليها تايوان ثم أستراليا، ومن الواضح أن الأهداف الصينية الاستبدادية لها طابع عالمي. نحن اليوم أمام مرحلة مفصلية وقد اتّضح ذلك في خطاب وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في 23 يوليو في مكتبة نيكسون الرئاسية حين قال: "المعيار القديم المبني على التواصل الأعمى مع الصين لن يفي بالغرض، ويجب ألا نتابع تطبيقه وألا نعود إليه... يجب أن ينتصر العالم الحرّ على هذا الاستبداد الجديد". أطلق وباء "كوفيد-19" أزمة كبرى، لكنه يترافق في الوقت نفسه مع فرصة قيّمة وقد توصلت بكين إلى هذا الاستنتاج سريعاً، ففي مختلف المجالات، بدءاً من الاستثمارات المرتبطة بإطلاق عجلة التعافي وصولاً إلى المكاتب الافتراضية والتعبئة المدنية، بدأت الولايات المتحدة تعيد رسم معالمها، فقد ينشئ هذا النهج مؤسسات ومسارات جديدة ومستحدثة تناسب العالم المعاصر والتهديدات المستجدة، وهو يحمل طابعاً تنافسياً محتملاً، حتى أنه قد يسمح باسترجاع القيم الأميركية لتقوية مكانة الولايات المتحدة في العالم.* «ناثان بيكارسيك وإيميلي برويير»