تناول الموجز الاقتصادي الصادر عن بنك الكويت الوطني بيانات الناتج المحلي الإجمالي الضعيفة للربع الثاني من العام الحالي التي كشفت التداعيات السلبية التي اجتاحت الولايات المتحدة وأوروبا نتيجة إغلاق أنشطة الأعمال على نطاق واسع وفرض قيود السفر بهدف احتواء تفشي جائحة "كوفيد-19". وفي التفاصيل، وعلى الرغم من أن أسوأ حالات تراجع الإنتاج انتهت فعلاً، فإن المخاوف ما تزال قائمة بشأن وتيرة التعافي واستمراريته - خصوصاً في الولايات المتحدة، إذ تسبب استمرار تزايد حالات الإصابة بالفيروس في تعطيل إجراءات إعادة فتح الاقتصاد في بعض الولايات، هذا إلى جانب مساومات أعضاء الكونغرس بشأن حزمة التحفيز المالية الجديدة بما ساهم في زيادة حالة عدم اليقين.
من جهة أخرى، تواصل السياسة النقدية التيسيرية عزل أسواق الأسهم بمنأى عن تلك المخاوف، إذ ارتفع مؤشر ستاندرد أند بورز 500 بنسبة 5.5 في المئة في يوليو، ويقترب الآن من بلوغ أعلى مستوياته على الإطلاق المسجلة في فبراير.كما أن أسعار الفائدة المنخفضة (بالإضافة إلى النمو الاقتصادي الضعيف) تعمل على تقويض أداء عائدات السندات طويلة الأجل، إذ انخفضت عائدات سندات الخزانة الأميركية لأجل 10 سنوات إلى 0.5 في المئة فقط في أوائل أغسطس، بما أدى أيضاً إلى اضعاف قيمة الدولار.
الولايات المتحدة تعاني
كما كان متوقعاً، عانى الاقتصاد الأميركي في الربع الثاني من انكماشاً حاداً بمستويات غير مسبوقة على خلفية التدابير المطبقة لاحتواء تفشي الجائحة، إذ وصل معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي -32.9 في المئة على أساس سنوي (-9.5 في المئة على أساس ربع سنوي) بعد انخفاضه بنسبة 5 في المئة في الربع الأول.وجاء في الصدارة تراجع مستويات الاستهلاك الخاص بنسبة 35 في المئة (بما في ذلك انخفاض الإنفاق على الخدمات بنسبة 44 في المئة)، بينما انخفض الاستثمار الخاص (بما في ذلك المخزون التجاري) بنسبة 49 في المئة. وكان الإنفاق الحكومي هو العنصر الوحيد الذي تمكن من تسجيل ارتفاعاً بنسبة 2.6 في المئة.وحدث الجزء الأكبر من تراجع الإنتاج في وقت مبكر من الربع، مع تحسن النشاط التجاري في مايو ويونيو، إذ تم تخفيف قيود "البقاء في المنزل" وبدأ تنفيذ برامج التحفيز الحكومية. ويشير ذلك إلى حدوث انتعاش ملحوظ في الناتج المحلي الإجمالي في الربع الثالث، كما تشير التقديرات الآنية الصادرة عن بنك الاحتياطي الفدرالي في أتلانتا إلى بلوغ معدل النمو حالياً إلى حوالي 20 في المئة. لكن التزايد الكبير في حالات الإصابة بالفيروس منذ منتصف يونيو وما أعقب ذلك من تعليق خطط إعادة فتح الاقتصاد أو التراجع عنها، هذا إلى جانب انتهاء برنامج إعانات البطالة الإضافية في يوليو (فشل الكونغرس حتى الآن في التوصل إلى اتفاق لإقرار حزمة تحفيز مالي جديدة – وكانت الأوامر التنفيذية التي أصدرها الرئيس ترامب أخيراً بمنزلة محاولة لتجاوز الكونغرس وبدء حزمة تحفيز أصغر حجماً خاصة به)، ساهمت كل تلك العوامل مجتمعة في تأجيج مخاوف تعطيل الانتعاش. وعلى الرغم من تعافي أنشطة مؤشرات مديري المشتريات الصادرة عن مؤسسة (ISM) وارتفاعها في الوقت الحالي فوق مستوى 50 بما يشير إلى "عدم حدوث تغيير"، فإن ثقة المستهلك انخفضت مجدداً في يوليو وسط تراجع معنويات التفاؤل بشأن الأشهر الستة المقبلة.ويعتبر استمرار تدهور سوق العمل من ضمن أبرز العوامل التي تؤثر سلباً على آفاق النمو. فعلى الرغم من ارتفاع معدلات التوظيف بمستويات فاقت التوقعات بإضافة 1.8 مليون وظيفة في يوليو، فإن الوتيرة كانت أبطأ مقارنة بمعدلات شهر يونيو، كما أن معدل البطالة ما يزال مرتفعاً جداً عند مستوى 10.2 في المئة. وقد يؤدي ارتفاع معدلات البطالة، إضافة إلى إمكانية خسارة جزء من الدخل نتيجة لخفض الإعانات، إلى إحداث صدمة حادة للإنفاق الاستهلاكي الذي انتعش في يونيو إلى -4.8 في المئة على أساس سنوي مقارنة بأدنى مستوياته المسجلة بنسبة -16 في المئة في أبريل، إذ يزال أقل بنسبة 7 في المئة عن مستويات ما قبل الجائحة. وعلى الجانب الإيجابي، فقد تكون مدخرات الأسر قد تراكمت خلال الأشهر الأخيرة من خفض المصروفات، مما مكّن من استخدامها مؤقتاً لتمويل الإنفاق لحين إقرار الكونغرس حزمة تحفيز جديدة خلال شهر أغسطس على الأرجح.وكما كان متوقعاً، أبقى الاحتياطي الفدرالي على سياسته النقدية دون تغيير في اجتماعه المنعقد في يوليو، محتفظاً بمعدل الفائدة على الأموال الفدرالية في حدود 0.0-0.25 في المئة، كما أبقى أيضاً على برنامج التيسير الكمي وتعهد بالحفاظ على سياساته التيسيرية حتى تمر الأزمة، وقد يصل الأمر إلى استخدام المزيد من أدوات الدعم إذا تعثرت وتيرة التعافي الاقتصادي. وواصل رئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي جيروم باول التحذير من مخاطر الايقاف المبكر لإجراءات التحفيز المالي وحث الكونغرس على الموافقة على حزمة دعم جديدة. وفي ذات الوقت، كان التزام الاحتياطي الفدرالي بسياساته التيسيرية – بالتزامن مع تجدد مخاوف تفشي الجائحة وتراجع التدفقات نحو أصول "الملاذ الآمن" التي شهدناها سابقاً – من العوامل التي ساهمت في التراجع الأخير الذي شهده الدولار الأميركي، إذ سجل الوزن الترجيحي لمؤشر الدولار تراجعاً اضافياً بنسبة 4 في المئة في يوليو، ويعتبر حالياً أقل بنسبة 9 في المئة عن مستويات الذروة المسجلة في مارس. ووسط ضعف مستويات النمو والتراجع الشديد لمعدل تضخم الإنفاق الاستهلاكي الأساسي، 0.9 في المئة فقط على أساس سنوي في يونيو، فإن ضعف الدولار لا يعتبر من المسائل الجوهرية التي تحرك سياسات مجلس الاحتياطي الفدرالي.لكن في حال شهد الدولار المزيد من التراجع الحاد، فقد يتسبب ذلك في تعزيز المخاوف المتعلقة بوضع الدولار كعملة احتياطية وما قد يخلفه ضعف الدولار من تأثيرات معاكسة على النمو العالمي.تراجع الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة اليورو في الربع الثاني، إلا أن آفاق النمو تتحسن.أظهرت بيانات الناتج المحلي الإجمالي للربع الثاني لمنطقة اليورو صورة أكثر تشاؤماً من الولايات المتحدة. إذ انخفض الإنتاج المحلي لمنطقة اليورو بنسبة 12.1 في المئة على أساس ربع سنوي بعد انخفاضه بنسبة 3.6 في المئة في الربع الأول. وشهدت بعض الدول الأوربية انخفاضاً أكثر حدة، خصوصاً إسبانيا (-18.5 في المئة) وفرنسا (-13.8 في المئة)، في حين كان الانكماش في ألمانيا أقل حدة (-10.1 في المئة) بفضل النجاح النسبي للسلطات في احتواء تفشي الجائحة. وأظهرت البيانات الخاصة بالمملكة المتحدة، انخفاض الإنتاج بنسبة 20.4 في المئة في الربع الثاني على أساس ربعي– أي بمعدل أسوأ من الدول الأخرى وهو الأمر الذي يمكن تفسيره جزئياً نتيجة لتسجيل المملكة المتحدة لمعدل انكماش أقل في الربع الأول.