الدرع الوقائية ضد وباء غسل الأموال
الكثير من الناس لفَّتهم الحيرة وتملكهم اليأس من الإصلاح، فجذور الفساد عميقة وأغصانه متشابكة ومنفرشة في كل النواحي، لا تكاد تنعتق منه جهة من الجهات، مما اعتبره البعض تحديا مُحطما لا حَوْل معه ولا طَوْل، وأقوى ما يعبر عنه هذه الأيام القصائد الرثائية الحزينة للوطن باللهجة الكويتية الأصيلة التى تهشِّم بكلماتها ونبرة وأسلوب إلقائها الأضلاع.تذكرك بقصائد عبدالله الفرج وموضي العبيدي وعبدالله سنان وفهد بورسلي فتتفتح معها الجروح ويسيل منها الحزن والحسرة في حنايا الشعور وجنبات الوجدان، ولم يبلسم هذه الجروح إلا جهود الشيخ ناصر صباح الأحمد الصباح الذي يتلظى في صدره قبس حماسة لاستئصال الفساد لا تطفئه ثلوج القوقاز، وجهد المخلصين في الحكومة الذي يتجسد في الانقضاض على المجرمين من سراق المال العام ومجرمي غسل الأموال. إلا أن هذا الجهد لن يؤتي أُكله وتتجذر عروقه ويستغلظ ويستوي على سوقه إلا إذا تم اجتثاث ونسف البيئة الحاضنة والمولدة للفساد، فكيف نلوم البعوض والحشرات السامة حين تتوطن وتتناسل في البلاد اذا وفرنا لها المستنقعات الراكدة الآسنة؟والأشد خطراً أن استمرار هذه البيئة سيوفر لحكومات الغرب الماكرة كل الذرائع للتدخل في شؤوننا وفرض العقوبات وتجميد أرصدتنا المالية في بنوكه وأصولنا على أرضه، وتحميلنا كمجتمعات ودول وزر ما يقوم به أفراد قلائل من المجرمين، ولدى الغرب وأجهزة رصده بقيادة دُهاته رغبة عارمة في توريطنا وإلباسنا التهم وفرض الأحكام والعقوبات من خلال محاكمهم وقوانينهم لابتلاع ثرواتنا باسم القانون وباسم مكافحة الجريمة والإرهاب.
ألم يحمِّلوا المملكة العربية السعودية، المسؤولية عما جرى في 11 سبتمبر، وذلك بعد عامين من تعديل القوانين الأميركية، في عهد أوباما، والسماح بمقاضاة أي دولة تُتهم بالمساعدة في تنفيذ هجمات إرهابية ضد مواطنين أميركيين فيما يعرف بقانون العدالة ضد رعاة الإرهاب (جاستا) فحملت السعودية ما قامت به مخابراتهم من دعم لابن لادن ودعم المجاهدين الأفغان لمقاومة الجيش الروسي المحتل لأفغانستان، وتلبيس السعودية التهم من خلال محاكمها ومؤسساتها التشريعية ومطالبة حكومتها بدفع تعويضات تصل إلى 3.3 ترليونات دولار؟فالأمر جلل خصوصاً إذا أضفنا أن هناك دولا استغلت وضعنا القابل للاختراق وتوطين عمليات غسل الأموال فيه بأن سمحت بزحف مجرمين وفاسدين تابعين لها للكويت لغسل الأموال حتى تتجنب هذه الدول النتائج الوخيمة على اقتصاداتها، وتخفيض تصنيفها في المؤشرات الدولية، فجعلت من الكويت حديقة خلفية لغسل أموالها. راجع جريدة "القبس" 2020/8/6.وما يجب على الحكومة ومجلس الأمة اتخاذه وبأسرع ما في مقدورهما إصدار قانون الضريبة الشامل على النحو الذي أشرت له في مقالي السابق حول الضريبة التصاعدية.الأخذ بملاحظات ومقترحات بعض القانونيين والمختصين بشأن مكافحة الفساد وعمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب ضروري، ومنها مكافأة المُبلِّغ على نحو مكافأة العاملين بالجمارك في حال القبض على تجار المخدرات حسب جداول محددة، بما يضاعف الهمة للعثور على عمليات غسل الأموال، كذلك عدم منح أي مسؤول سلطة تقديرية في إحالة أي عملية مشبوهة تكاملت أدلتها إلى النيابة، وفي حال ثبوت الشبهة اتخاذ إجراء فوري بتجميد أرصدة المشتبه فيه ومنعه من السفر وتجميد تصرفه بممتلكاته.