«طريق الكويت إلى الاستقلال» (2-2)
استعرضت في الجزء الأول ما جاء في كتاب الأستاذ الدكتور عبدالله يوسف الغنيم "طريق الكويت إلى الاستقلال"، وكيف أن الشيخ عبدالله السالم الصباح، طيب الله ثراه، كان مهندسا للسياسة الخارجية الكويتية في فترة ما قبل الاستقلال، وكان توجهه عروبيا خالصا، واتجه للعلاقة مع الدول العربية أولا.الكويت والجامعة العربية
من مظاهر استقلالية القرار السياسي الكويتي أن وكالة الأنباء (رويتر) أعلنت في 29 سبتمبر 1958، أن الكويت قد قدمت طلبا للانضمام للجامعة العربية، وأن حاكم الكويت وجه دعوة للسيد عبدالخالق حسونة الأمين العام لجامعة الدول العربية لزيارة الكويت لبحث موضوع انضمام الكويت للجامعة، وقد أعرب حسونة للصحافيين أن الجامعة ترحب بعضوية الكويت، علما أن المطلب الكويتي للعضوية قد أرسل من قبل حاكم الكويت مباشرة للأمين العام للجامعة العربية. ما قامت به الكويت حول هذا الموضوع أزعج الإدارة البريطانية التي طلبت من الكويت تكذيبا رسميا لخبر وكالة الأنباء، إلا أن الشيخ عبدالله السالم لم يلتفت للرسالة البريطانية، وكان يعلن موقفه بصراحة وبساطة في الأمور التي تخص الكويت وما يتعلق بمصلحتها ويتصرف تصرف حاكم مستقل رغم وجود معاهدة الحماية مع بريطانيا التي نصت على أن بريطانيا هي المسؤولة عن علاقة الكويت الخارجية. كان يقول، رحمه الله، عن الموقف البريطاني الآتي: "إنني أعتبر نفسي مستقلا استقلالا تاما، ولي علاقات مع بريطانيا تستند إلى معاهدة الحماية والصداقة معها التي تقوم بالنيابة عني في مسؤولية العلاقات الخارجية، ولا رغبة عندي في تغيير هذا الوضع أو جلب دولة أخرى، ولكن مصلحة الطرفين تقتضي أن أهتم شخصيا ببعض المسائل الخارجية، ولذلك يجب بناء علاقاتنا على أساس قوي بحيث يبقي على الصداقة القائمة وفي الوقت نفسه يسمح لي بحرية التصرف والانطلاق حيثما أرى في ذلك مصلحة للكويت".إن مواقف الشيخ عبدالله السالم في المفاوضات ونظرته المستقبلية لاستقلال الكويت وشجاعته في اتخاذ الموقف الذي يراه مناسبا وإن كان ذكيا إلا أنه مخالف لما يريده الطرف البريطاني مما يدل على التوجه الاستقلالي للكويتيين في ذلك الوقت. وقد اتخذ الشيخ عبدالله السالم خطين متوازيين في علاقته مع بريطانيا، فمن جهة كان يتفاوض لإيجاد صيغة في علاقته مع بريطانيا تضمن حماية الكويت، ومن جهة أخرى تضمن الاستقلال للكويت وهذا ما تحقق في 19 يونيو1961 عندما نالت الكويت استقلالها وانضمت للجامعة العربية أولا. علاقة الكويت الخارجية في الخمسينيات عندما نتصفح كتاب "طريق الكويت إلى الاستقلال" للدكتور عبدالله الغنيم الذي يتضمن محاضر الاجتماعات التي جمعت الشيخ عبدالله بالمسؤولين البريطانيين سواء المعتمد البريطاني في الكويت أو المقيم السياسي في الخليج، نجد أن الشيخ عبدالله السالم كان صلباً مع البريطانيين حول علاقة الكويت الخارجية، يتصلب في المفاوضات وكانت ردوده مفحمة معهم، فكان ينفذ ما يراه في مصلحة الكويت رغم الاعتراضات والحجج البريطانية، أما داخلياً فكان يشرك ويطلع أعضاء المجلس الأعلى (كان بمثابة مجلس الوزراء) وكان يستشيرهم في الأمور التي في مصلحة الكويت خصوصا ما يتم من مباحثات بينه وبين البريطانيين، وأن المجلس الأعلى كان يؤيده في اتخاذه القرارات.وكان، رحمه الله، ينتقد سياسة التسويف والبطء في العمل، وكان يقول إن بريطانيا لا تتخذ اللازم إلا عندما تبدأ خطورة الأمور تتزايد لأنها تتريث، فتتمهل إلى حين تجد نفسها مضطرة إلى عمل اللازم، بعد أن يكون الأمر قد استفحل، وعندما يدافع المسؤولون البريطانيون عن وجهة نظرهم بأحد الأمثلة البريطانية كأن يقولوا: "كلما زاد استعجالك قلت سرعة تقدمك"، يرد عليهم الشيخ عبدالله السالم قائلا: "قد يحسن تطبيق هذا المثل في بعض الأمور لا كلها". كان حريصا على مصلحة الكويت مثل حرصه على العلاقة الجيدة مع بريطانيا، وكان يردد للمسؤولين البريطانيين قائلا: "أنا أعرف إذا أردت شيئا فيمكنني عمل ما أشاء لمصلحة بلادي".استقلالية القضاء الكويتي أيضا استقلالية القضاء الكويتي عند بريطانيا كانت محور حديث مهم بين الشيخ عبدالله السالم مع الجانب البريطاني ممثلا بالسير جورج ميدلتون المقيم السياسي في الخليج، وبحضور المعتمد البريطاني في الكويت السيد هاليفورد، فكان ينصب النقاش حول نقل جميع السلطات القضائية للجانب الكويتي والخاصة بمقاضاة الأجانب في الكويت، وحسب معاهدة الحماية لعام 1899 فإن الأجانب يحاكمون طبقا لأحكام القضاء البريطاني، وقد تمت مفاوضات لنقل القضاء بأكمله إلى السلطات القضائية الكويتية بعد أن تم إعداد القوانين الكويتية، وقد استعانت الكويت بالدكتور عبدالرزاق السنهوري أحد أعلام الفقه والقانون في الوطن العربي لتنظيم القضاء، وأثمر ذلك بصدور المرسوم الأميري رقم 19 لسنة 1959 بقانون تنظيم القضاء الكويتي. يلخص الدكتور عبدالله الغنيم في كتابه "طريق الكويت إلى الاستقلال" ما جاء في محاضر اللقاءات التي أجراها الشيخ عبدالله السالم الصباح حاكم الكويت مع المسؤولين البريطانيين مثل السير ميدلتون المقيم السياسي في الخليج أو السير برناردز بارود المعتمد البريطاني في الكويت وغيرهما من المسؤولين البريطانيين الذين التقاهم وتفاوض معهم الشيخ عبدالله السالم الصباح الذي كان موقفه صلبا في كل المسائل المطروحة للبحث. كانت لديه، رحمه الله، رؤية سياسية واضحة بالنسبة إلى الأحداث في منطقة الخليج العربي والمنطقة العربية، وكانت له حنكة في سعيه الحثيث نحو استقلال الكويت الذي تحقق في 19 يونيو1961. ولذلك فإن الشيخ عبدلله السالم الصباح يستحق أن يطلق عليه لقب "أبو الاستقلال"، فكان قائداً حكيماً يسعي إلى مصلحة بلده وشعبه، رحمه الله رحمة واسعة وغفر له وأسكنه فسيح جناته.