رفع المجتمع الدولي الصوت، بقيادة الغرب، لمعارضة قانون الأمن القومي الجديد في هونغ كونغ واحتجّ عليه طبعاً السكان المحليون هناك، لكن بعض البلدان الناشئة والنامية تؤيد سياسة الصين في هونغ كونغ، حتى أن سياسة بكين تحظى بدعمٍ واسع في بر الصين الرئيس.

من وجهة نظر هونغ كونغ، يتجاوز منطق "الأمن القومي" الذي يطرحه الصينيون الحدود المسموح بها كونه ينسف أفكار التنمية الاقتصادية ويستبدلها بتطبيق قانون الأمن القومي على نطاق واسع. إنها نقطة تحوّل بارزة في الأحداث نظراً إلى تاريخ هونغ كونغ الطويل كجسر تواصل بين الصين والغرب وبين الصين القارية وتايوان خلال الحرب الباردة، ومع ذلك قد لا يكون تراجع هونغ كونغ اليوم حتمياً، بل يمكن أن يُعاد توجيه دورها نحو الصين، لهذا السبب، برزت الحاجة إلى إعادة تفسير مبدأ "بلد واحد بنظامَين"، ففي النهاية، قد لا تحصل بكين على ما تريده بالضرورة.

Ad

أصبح الاقتصاد الصيني اليوم ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وقد تغيرت المسائل الأكثر إلحاحاً بنظر الدولة تدريجاً من التنمية الاقتصادية إلى الأمن القومي. ربما يحافظ نموذج التصدير الخاص بجهود التنمية على أهميته حتى الآن، لكن يحمل الاقتصاد الصيني اليوم خصائص تمنعه من الاتكال على ذلك النموذج حصراً، بما في ذلك رفع الأجور ومشاكل في البنية الاقتصادية، ونتيجةً لذلك تغيرت أدوار الاستثمار المباشر من الغرب أو تصدير المنتجات إلى الغرب في الوقت الراهن.

تبقى التجارة الحرة والاستثمارات الأجنبية والصادرات بالغة الأهمية طبعاً، لكن الصين تملك اليوم أولويات أخرى، ففي ظل تغيّر طبيعة الاقتصاد، زادت أهمية هونغ كونغ كنقطة انطلاق لتوسيع الشركات الصينية إلى ما وراء البحار وتدفق الأموال الصينية نحو العالم، ونتيجةً لذلك قد تتحول هونغ كونغ من صلة وصل بين الصين والغرب إلى مسارٍ يُستعمل لإيصال الأموال والشركات الصينية إلى بقية أنحاء العالم، حتى أنها قد تصبح أحياناً ملجأً موقتاً من مختلف مناطق العالم. كانت "إعادة قراءة" قانون هونغ كونغ الأساسي ضرورية لتحقيق هذا الهدف، وهي تشرح في الوقت نفسه الغاية من إعادة تفسير مبدأ "بلد واحد بنظامَين".

هذا النوع من السياسات الصينية يثير المشاكل لسكان هونغ كونغ طبعاً ويصعب أن يتقبله الغرب أصلاً، فربما تفكّر الشركات التي تستثمر في هونغ كونغ بالمغادرة، لكن قد يوحي الوضع أيضاً بأن الحكومة الصينية غيّرت مسارها بشكلٍ لا رجعة فيه.

في غضون ذلك، زاد تدفق الرساميل نحو هونغ كونغ في ظل انتشار مظاهر الفوضى، وارتفعت أسعار الأسهم مجدداً بعدما بلغت أدنى المستويات في 23 مارس الماضي، حيث ينجم أداء البورصة القوي على الأرجح عن توجيهات الحكومة الصينية وتدفق الرساميل من الصين القارية حين بدت أسهم هونغ كونغ أقل من قيمتها الفعلية، وفي الوقت نفسه بقي تدفق الرساميل من هونغ كونغ إلى سنغافورة محدوداً على نحو غير مفاجئ في الأشهر القليلة الماضية، حيث يعطي تدفق الرساميل بهذه الوتيرة لمحة عما يمكن توقّعه من هونغ كونغ إذا اقتصر هدفها على خدمة الأموال والشركات الصينية: إنها "هونغ كونغ الحمراء"!

لكن إلى متى ستبقى هونغ كونغ وجهة جاذبة وسهلة الاستعمال بالنسبة إلى الأموال والشركات الصينية؟ وهل ستتمكن الصين من الحفاظ على جاذبية تلك المنطقة؟ لا أحد يعرف الجواب، وإذا كانت جاذبية هونغ كونغ ووظائفها والحريات الراسخة في نظامها القانوني ومجتمعها المعاصر جزءاً من العوامل التي تدعم اقتصادها، فمن المتوقع إذاً أن يتلاشى انجذاب بكين إلى هونغ كونغ سريعاً بمبادرة من الصين نفسها خلال وقتٍ قصير.

* «تشين كاواشيما»