خواطر إنسان ثمانيني
ينصب جل اهتمام سنوات ريعان الصبا فالمراهقة والشباب عند الإنسان في العمل على بناء مستقبل سنواته القادمة، وبعد سن الأربعين يكون قد انغمس في دوامة صراعات حياتية تحول بينه وبين التفكير في عالم غير العالم الذي يحيطه، وإن كان هناك ما يُذكره دائماً بالاستعداد لليوم الموعود... لكن سن الثمانين تفرض على حاملها نمطاً من التفكير يحتل فيه العالم الآخر مكان الصدارة من اهتماماته... الله جل وتبارك وضّح لعباده الكثير عن العالم الأُخروي... لكنني في هذه الخواطر أردت أن ألقي نظرة على الحضارات السابقة وعلى الأديان السماوية، وكيف كانت نظرتها إلى العالم الأُخروي.***• الفراعنة مثلاً...
نجد المصريين القدماء عرفوا في دياناتهم الجحيم الأُخروي، وما يحتوي عليه من ألوان العذاب، لهذا فإن أزوريس يزن أعمال الناس ويدفع بهم إلى الجزاء الذي يستحقون، بما يشبه النعيم والجحيم... وشرح هذا يطول فيما دونته المأثورات الفرعونية.• حضارات العراق...في عقيدة البابليين أن عشتروت تهبط إلى الجحيم، حيث عذاب الزمهرير والجوع والعطش والبرص... وكذلك هي تعاليم الديانات العراقية الأخرى، وكلها تؤكد وجود ثواب وعقاب في عالم ما بعد الموت.• حضارة فارس...الفرس يعتقدون أن النار من أهم مصادر التطهير، ولذلك فإن كتابهم يحفل بذكر الفردوس والجحيم والمطهر في العالم السفلي كما يصفونه. • عبادة الهنود...يهبط لودهشيرا إلى الجحيم، حيث رائحة الإثم والجثث والديدان والهوام والطيور والكواسر وأمواج اللهب ويصعد البطل (أرجانا) إلى السماء مأوى المؤمنين، حيث الأزهار الجميلة والغواني تحت الأشجار الخضراء والأنغام السماوية، ويصل البطل محاطاً بالملائكة وصفوة البراهمة إلى حضرة رب الأرباب.• الأترسكين...وتحتوي ثقافة الأترسكين على ما يعتقدون به لحياة ما بعد الموت، وعلى شياطين رعب وفزع.***• وهناك الكثير من الديانات التي تعتقد بوجود عالم أُخروي، وبموجب هذا الاعتقاد تكون لها تصرفات مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بذلك العالم، فالكثير منهم يمزج بين عبادة الدنيا وعبادة الآخرة.وكذلك حفلت المأثورات الفكرية والأدبية بما كتبه فلاسفة ومفكرون ومؤرخون على أن هناك اتصالاً بأرواح الموتى، يحتل مكان الصدارة من العبادات التي عرفها الأجداد القدماء على اختلاف أجناسهم في إفريقيا والصين واليابان، بل في معظم دول آسيا ومن الشعوب الآرية والسامية والقوقازية وقبائل الهنود الأميركيين، بل هناك من يؤرخ لقبائل كانت متوحشة ولكنها تؤمن بعالم آخر بعد الموت، والطريف أن بعضهم يرى أن الحب والكره في هذا العالم ينتقلان إلى العالم الآخر.***• ولما عدت إلى كتاب الله جل وتبارك وجدت (وَيَسْـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِ قُلِ ٱلرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّى وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ ٱلْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا).وقد فتح لي هذا القليل عدة أبواب للبحث عن الحياة الأخرى عند الذين لم تصلهم الأديان السماوية، فتبين لي عن يقين راسخ أن ما قاله الله جل وتبارك هو الذي يتماشى ويحترم العقل الإنساني بعيداً عن تلك الخرافات والأساطير التي ابتدعها أولئك الذين لم يكونوا يعرفون الله.