الرئيس الصربي يرفض الاتفاق مع كوسوفو
امتد الحوار بين كوسوفو وصربيا عشر سنوات تقريباً، حيث تهدف هذه السلسلة من المفاوضات إلى تطبيع العلاقات بين الدولتَين المجاورتين في غرب البلقان، وقد انطلقت في 2011 واستمرت بوتيرة متقطعة منذ ذلك الحين، وشكّلت ركيزة لصانعي السياسة الغربيين. سيكون حل هذه القضية أساسياً لاستقرار المنطقة، فقد أعلنت كوسوفو استقلالها عن صربيا في 2008، وسعت بلغراد إلى إضعاف العاصمة "بريشتينا" منذ ذلك الحين، فضغطت على بلدان أخرى لحثها على رفض الاعتراف بكوسوفو أو سحب اعترافها السابق في بعض الحالات.وفق استطلاع للآراء في 2018، تريد أغلبية بسيطة من المواطنين الصرب أن تنضم صربيا إلى الاتحاد الأوروبي للاستفادة من فرص عمل جديدة ومن حرية التنقل في دول الاتحاد، لكن وفق استطلاع آخر في 2019، أعلنت أغلبية واضحة من المواطنين الصرب عدم اعترافها بكوسوفو كدولة مستقلة، وهذا الموقف يطرح مشكلة كبيرة، إذ يسهل أن يتوقف التقدم الذي أحرزته صربيا في مفاوضاتها للانتساب إلى الاتحاد الأوروبي إذا لم تنجح في تطبيق الفصل الخامس والثلاثين والأخير الذي يقضي بتطبيع العلاقات مع كوسوفو، لذا يتعين على الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش أن يُوفّق بين اتجاهَين متعارضَين.
إذا اضطر فوتشيتش للاختيار بين متابعة إجراءات الانتساب إلى الاتحاد الأوروبي وعدم الاعتراف باستقلال كوسوفو، يبدو خياره واضحاً: "رداً على اقتراحٍ محتمل بالاعتراف بكوسوفو ودخولها إلى الأمم المتحدة مقابل انتساب صربيا إلى الاتحاد الأوروبي بكل بساطة، سنرفض هذا العرض حتماً". لن يكون الانتساب إلى الاتحاد الأوروبي المنفعة الوحيدة التي ستحصدها صربيا مقابل الاعتراف بكوسوفو على الأرجح، لكن يكشف هذا التصريح إلى أي حد يعتبر فوتشيتش تطبيع العلاقات مع كوسوفو خياراً مكلفاً ومدى تردده في اتخاذ خطوة مماثلة. تجدر الإشارة إلى أن أي اتفاق مع كوسوفو قد يُهدد مصالح فوتشيتش الشخصية، فقد نجح في ترسيخ نفوذه في السياسة الصربية منذ 2017، ووفق تقرير جديد أصدرته منظمة "فريدم هاوس"، انحدرت صربيا من "ديمقراطية شبه راسخة" إلى "نظام انتقالي هجين" في عهد فوتشيتش، وهذا الوضع ينجم جزئياً عن هجومه على وسائل الإعلام المستقلة والمنظمات غير الحكومية التي تنتقد حكومته.رسّخ فوتشيتش نفوذه لدرجة أن يصبح أقوى رجل في البلاد بلا منازع، وقد تُهدد عضوية الاتحاد الأوروبي أساس سلطته، حيث تفرض تلك العضوية على صربيا مجموعة من الإصلاحات على مستوى الديمقراطية والحُكم، ولا شك أن هذه الإصلاحات ستفكك الجهاز الذي بناه فوتشيتش لنفسه. وجد الاتحاد الأوروبي صعوبة في مواجهة أصحاب السلطة المستبدين بين الدول الأعضاء فيه، لكنه قد يبدأ بتغيير مساره ويتعامل مع التراجع الديمقراطي أخيراً باعتباره تهديداً خطيراً، فقد تتشجع صربيا على عقد اتفاق مع كوسوفو لتسهيل انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي في نهاية المطاف، لكنّ الانتساب إلى هذا الاتحاد يطرح تهديداً شخصياً على فوتشيتش.لا يعني ذلك أن الاتفاق لن يحصل لمجرّد أن فوتشيتش لا يرغب به، قد تزيد الضغوط السياسية لمتابعة جهود الانتساب إلى الاتحاد الأوروبي بالوسائل اللازمة لدرجة أن يعجز الجميع عن تجاوزها. كذلك يدرك فوتشيتش، رغم تقرّبه من جهات قوية أخرى في المنطقة على غرار الصين، أن الاتحاد الأوروبي يبقى حتى الآن أهم داعم خارجي لبلده، ولا يمكن أن تصبح صربيا آمنة ومزدهرة على المدى الطويل إلا عبر الانتساب إلى الاتحاد، وبغض النظر عن حصول اتفاق مع كوسوفو حيث تعترف بها صربيا كدولة مستقلة أو عدم حصوله، تبلغ الاضطرابات داخل نظام فوتشيتش اليوم أعلى مستوياتها. * «أوستن دولير»