• لك العديد من الأعمال الإبداعية الموجهة للأطفال واليافعين... ماذا عن بدايات هذه الرحلة؟ وكيف جاء توجهك نحو الكتابة للطفل؟

قبل أن أكتب للطفل طرقت باب الشعر والنثر والبحث التاريخي والسياسي، وقرأت مئات القصص وكتبت عن الكثير منها، رأيت العديد من القصص الضعيفة والهشة لا تستحق أن يطلع عليها أطفالنا، بدأت أهتم بأدب الأطفال أقرأ بنهم، أتمتع بهذا اللون وهذا السحر، لقصص لأطفال قوة عجيبة وطاقة فريدة، وكانت أول قصة كتبتها «يارا ترسم حلما»، في إصدار خاص عام 2013، ولاقت نجاحا كبيرا وصدرت بثلاث طبعات متلاحقة، ولاقت اهتماما كبيرا من الأطفال والمربين والنقاد ثم صدرت لي عام 2014 خمس قصص للأطفال: طاهر يتعثر بالشبكة العنكبوتية، الأميرة ميار وحبات الخوخ، الفانوس السحري، بجانب أبي، ثابت والريح العاتية، ثم توالت الإصدارات، لكنني أيقنت أن هذا اللون الأدبي الذي أعشقه، ويمكنني أن أتميز به، شعرت أن الله منحني عطية مهمة.

Ad

تحديات خيالية

• ما الفرق بين الكتابة لطفل الأمس واليوم... أم أن الطفل هو نفسه في كل زمان ومكان؟

عندما أعود إلى القصص التي كتبت قبل عشرين أو ثلاثين سنة جلها لا يتناسب من حيث المضامين مع ما يقلق الطفل والمجتمع اليوم، أطفالنا أكثر دراية واطلاعا على ما يدور حولهم وفي العالم، الطفل اليوم يتقبل الآخر ويرفض التنمر ولديه مهارات أكثر وذكاء لغوي، وخيال واسع وتجربة حياة أعمق، والعديد من القصص التي صدرت قبل عشرات السنين مضامينها ترتكز على الوعظ وتتناول مواضيع عن الجن والسحر والخوارق، بينما اليوم الطفل يريد أن يحلق في مواضيع الخيال العلمي، تقبل الآخر، الإعاقة، التنمر، تحديات التكنولوجيا ومخاطرها، يبحث عن قصص تحترمه وتحترم نظرته لذاته ولمستقبله، قصص كتبت له وليس عنه، ويهدف أدب الأطفال إلى تنمية مواهب الطفل وصقل شخصيته وخبراته ومهاراته اللغوية وتوسيع خياله وإكسابه اللغة والمعرفة والتسلية وتعزيز تقته بنفسه وبلغته وعروبته وحضارته وهويته، وتنمية حب المغامرة والاكتشاف والاطلاع على الجيد من الثقافات الاخرى.

الشبكة العنكبوتية

• كيف ترى تأثير التكنولوجيا الحديثة على كتابة الأطفال؟

لا شك أن التكنولوجيا الحديثة سلاح ذو حدين، فهي تسرق طفولة الأطفال في غفلة من الكبار، وهي أيضا تهدد وحدة وسلامة الأسرة العربية التي لم تكن جاهزة أصلاً لهذا التقدم السريع والمخيف، فالتكنولوجيا عبارة عن سلم للارتقاء وتقدم البشرية، لكن علينا صعوده بحذر وإيجابية والطفل اليوم يقضي ساعات طويلة يلهو بالألعاب التي تهدم الخيال وتبعده عن الكتاب وعن الأصدقاء، وتقع على عاتق الأسرة مهمة توجيهه ومراقبة استغلاله للتكنولوجيا، وتخصيصه وقتا للقراءة وللأسرة وللأمور الاجتماعية، واللعب والرحلات والترفيه كي ننجح في بناء شخصية متوازنة، ومعضلة تعلق الأطفال بالتكنولوجيا تحتم على الكاتب الابداع والتميز للتقرب من عقل الطفل واحتياجاته، لأن المنافس على قلب الطفل قوي وذكي ومتجدد وجذاب وله مخاطر ومخالب فتاكة، وقد ألفت قصة بعنوان «طاهر يتعثر بالشبكة العنكبوتية» عام 2014، عالجت مخاطر الانترنت على الأطفال وضرورة الإبحار الآمن، ومتابعة الأهل لأطفالهم في ظل أخطبوط الشبكة العنكبوتية

قادة المستقبل

• هل أنت راض عن صورة الأطفال في الإعلامين الفلسطيني والعربي؟

هنالك تحسن كبير في صورة الطفل في الاعلام الفلسطيني والعربي لكن الأمر بحاجة إلى استثمار فعلي أكبر لأن أطفال اليوم هم قادة المستقبل، وسيقودون الأمة ويصنعون التاريخ، ومن المهم الاستثمار في العلم ودعم الأطفال، وتبني برامج نافعة تبني الانسان العربي وتمنحه الأدوات القوية ليواجه المستقبل بخطوات ثابتة وحكيمة، لأن الأمم تقاس بعلمها ونتاجها الأدبي، والعالمي، واختراعاتها وخدمتها للإنسانية.

خليل السكاكيني

• كيف ترى المشهد الإبداعي الفلسطيني راهنا؟

أدب الأطفال الفلسطيني دخل الحقل متأخرا عن أدب الأطفال في مصر والعراق، ويعتبر خليل السكاكيني رائد أدب الطفل الفلسطيني، وبسبب الظروف السياسية، تأخر أدب الأطفال الفلسطيني إلى التسعينيات للنهوض بخطى حثيثة، أما اليوم فنجد دور نشر مختصة، أدباء جديين ومبدعين، وقصصاً ذات مضامين وجودة عالية، لكننا نرصد تسللاً لأقلام ركيكة وقصص فارغة المضمون هدفها تجاري بحت، تعوق المسيرة الإبداعية، وخدمة الطفل، وتخلط الأوراق وتسيء للطفل ولأدب الطفل، ومن المهم أن تراجع دور النشر القصص قبل طرحها في الأسواق، ومن المهم أن يتريث الكاتب قبل نشر إبداعه، ولأسباب غير مهنية وموضوعية أيضا يعاني المبدع الفلسطيني من المقاطعة وعدم تعامل دور النشر في العالم العربي معه، وأدب الطفل الفلسطيني لا يأخذ حقه الطبيعي في الانتشار بالعالم العربي، وحبذا لو منحت له الفرصة في ميزان الابداع الصرف بعيدا عن الاعتبارات الأخرى، ولا شك أن الإنترنت خدم الأدب وقلص المسافات وأتاح العديد من القراء التعرف بشكل أفضل على الأدب الفلسطيني.

شلال متدفق

• هل نجح أدب الأطفال في الوصول إلى تنمية مدارك الطفل من خلال ما يقدمه له؟

أدب الطفل يتطور بشكل متسارع تماشيا مع تطورات الحياة لذا علينا دوما تقديم الأفضل وشخصيا كتبت 17 قصة للأطفال، وأشرفت على 14 قصة كتبها طلابي بعد تقديم ورش للكاتبة الإبداعية، وهنالك الكثير مما يمكن تقديمه، ونسبيا راض عما قدمته لتطوير أدب الطفل العربي عامة، سواء من خلال الكتابة أو توجيه النصائح للكتاب ومرافقة اصداراتهم حتى ترى النور، أو من خلال تدريب طلابي على الكتابة الإبداعية وإصدار قصصهم بحلة قشيبة ومضامين هادفة، ولدي قناعة بأن الطفل إن تم توجيهه فيمكنه أن يبدع ويبحر في عالم الإبداع، لديه خيال خصب وواسع، لكنه بحاجة إلى الدعم وتقوية لغته، وتعزيز ثقته بنفسه، لاسيما أن الأفكار تنساب لديه مثل الشلال المتدفق، فمن خلال عملي كمدير مدرسة ابتدائية، أشجع طلابي على القراءة والكتابة الإبداعية، وعلى مستوى قريتي «كفرمندا «أشرف على برنامج «فرسان المطالعة «والكتابة الإبداعية» حيث ينخرط آلاف الطلاب في مشاريع لتشجيع القراءة على مدار 16 سنة.

إجحاف

• هناك تهميش تجاه الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة في العالم العربي... فما رأيك؟

أتفق معك، فقد التفت الكتاب العرب إلى موضوع الإعاقة فقط في السنوات الأخيرة، وهذه الفئة للأسف الشديد تعاني الغبن والإجحاف من قبل المجتمع ومؤسساته، من إقصاء وسخرية، ووضع عراقيل أمامهم وتحجيم قدراتهم وتقزيم دورهم، وهذا الأمر انعكس على أدب الطفل العربي، الذي تناول قضاياهم على مضض وحياء، ومعظم القصص التي كُتِبت عن أصحاب الاعاقات تطلب منهم أن يكونوا أصحاب قوة خارقة كي يتقبلهم المجتمع، والمفروض طرح الموضوع بشكل أقوى، وتمكينهم ودمجهم في المجتمع، ودعمهم بشكل فعلي، بعيدا عن الشعارات الرنانة والتسلق على ظهورهم.

تقديم الأفضل

• حصدتم العديد من الجوائز... فما الذي أضافته إليكم؟

نلت جائزة ناجي نعمان لأدب الأطفال الأخلاقي عام 2014، من خلال قصتي «ثابت والريح العاتية»، التي تمت ترجمتها إلى اللغة الإنكليزية منذ أيام من قبل الشاعر والمترجم المصري حسن حجازي حسن، كما نلت العديد من التكريمات، وهذه الجوائز تشحذ الهمم وتجبر الكاتب على تقديم الأفضل والنظر إلى الأمام.

70 قصة

• ما مشروعكم الشاغل الآن؟

قبل أيام صدرت لي قصة «ثابت والريح العاتية» بالإنكليزية، وأطمح إلى ترجمتها إلى لغات أخرى،كما فرغت من كتابي البحثي تحت عنوان «الإعاقة وتقبل الآخر في أدب الطفل»، ومن المتوقع صدوره خلال شهرين، وقمت بدراسة نحو 70 قصة تناولت الموضوع.