الحالة العامة لأحوال البلد خرجت عن دائرة الإصلاح الممكن، وبلغت مرحلة التردي التراكمي الشامل، فالعمل الحكومي أضحى مجرد تمشية للأمور على نسق التعامل المؤقت بالنسبة للمسؤوليات، والإرباك ما زال سيد الموقف في أي ملف تتم إثارته وتسليط الضوء عليه، ولا نستغرب ذلك لأن آلية متابعة المسؤوليات والأعمال لكل وزارة على انفراد على الأرجح مفقودة، ولذا فإن كل وزارة بل والحكومة لا تملك زمام المبادرة بصنع الحدث أو الفعل، وإنما تتعامل بصورة واضحة بمنطق وإجراءات ردة الفعل للخروج من الحالة الراهنة التي تواجهها، وهذا الوصف ينطبق على الحكومة ككل في إدارتها لشؤون البلد، وهو ما يدرك من نسق تعامل الحكومة مع ملفات ملحة ومتراكمة، فلا حلول جذرية ونهائية لديها لتلك الملفات، بل سياسة التخدير والتهرب من الحلول بالتأجيل أو الترحيل، حتى أدرك الجميع أنه ليست هناك رغبة للأخذ بالحلول مصحوبة بعدم القدرة على تبنيها والمضي بها، بخطة منضبطة زمنياً ومحددة إجرائياً، ومعبرة عن تلبية طموح الناس بحل معضلات حياتهم، وتحقيق تقدم بلدهم، فالبنية التحتية لا تزال تراوح في دائرة التجريب والبعد عن التجديد المتوقع، والتعليم يتقهقر سريعاً وفقد الناس الثقة به وبمؤسساته الحكومية، والاقتصاد والمالية العامة في الدولة رهينة البركة والاتكاء على تدفقات النفط والركون لصرف أي عوائد أو تسييل أصول، والصحة تتجاذبها ممارسات غير موثوقة ولا مأمونة، والقائمة يطول تعدادها وأسلوب التعامل معها متماثل وبلا حسم زمني وإجرائي، ولا غرابة أن يتضخم في ظل ذلك ملف أو قل ملفات الفساد، فهي تتغذى على كل تلك الملفات وتنبع من تراكمها وتأجيل حلولها.ومما يزيد الطين بلة أننا أُسرنا إلى عمل برلماني هو من يدعم تراكم تلك الملفات ويزيد فقدان الجدية في حلها وينعش أجواء فسادها، بتركها دون ضبط ورقابة وبلا تحديد زمني، مثل إهمال ملف التكويت، والتواطؤ في منع فرض الرسوم والضرائب على الشركات، واختراق المنافسة العادلة وهدر الشفافية، ومحاربة تكافؤ الفرص والعدالة بالواسطات التكسبية والمطالبات الإيهامية، وتشجيع السلوك الاستهلاكي والاقتراضات غير المنطقية أو الصرف والعطايا دون حس أو مسؤولية، وعرقلة أي سياسات رشيدة أو مبادرات حميدة، بل بدل ذلك الانشغال بتحقيق مكاسب شخصية وخدمة مصالح ضيقة تفوح منها رائحة الفساد والإفساد، وتعمد إثارة قضايا هامشية وترك الملفات الجوهرية، وهو سلوك غير مجد، بحثاً عن بطولات وهمية، وجرياً وراء استجوابات منحرفة وممارسات طفولية، حتى تردى العمل البرلماني لمستوى مخز وغير سوي، وصارت سمعة عدد من الأعضاء إما أن واحدهم ناطور خدمات أو مندوب لمتنفذ أو مراهق سياسي أو مشبوه بتضخم حساباته، فتردى الأداء وصار الناس يتمنون زوال كل الأعضاء، بل وعدم وجود مجلس للأمة، وهو هدف سعى إليه البعض عن قصد، وحققه كل من يسعى لتغذية الفساد السياسي والمالي الذي آلت إليه أحوالنا.
لكن رغم ذلك لن نيأس، وسنعمل من أجل بلدنا ونتعاضد بجهودنا لإحداث التغيير، من خلال الانتخابات القادمة، لانتشال الحكومة والمجلس من مستنقع التردي بإذن الله.
أخر كلام
تدني العمل البرلماني
19-08-2020