«مصر تنهض» يعيد أزمة التماثيل المشوهة إلى الواجهة

نشر في 20-08-2020
آخر تحديث 20-08-2020 | 00:03
شهدت مصر خلال السنوات الأخيرة ظاهرة أثارت استياء متذوقي الفنون في بلد يُعرفُ للعالم بأنه ذو تاريخ وحضارة تميزت بفن النحت، فقد انتشرت تماثيل بأبعاد غير منضبطة استقبلها الشارع المصري بين الغضب والسخرية بعد وضعها في ميادين بالقاهرة وبعض المحافظات، لكن تمثالاً جديداً استحوذ على القسط الأكبر من الجدل، لأن من نفذه أكاديمي متخصص في الفن التشكيلي، كما أن العمل الفني على قدر تشوهه يحمل اسم «مصر تنهض» !
أثار عمل فني يجسد مصر صممه فنان مصري يُدعى أحمد عبدالكريم حالة من الجدل في مصر خلال الأيام الماضية، حيث كان قد نشر على صفحته الشخصية صورة لتمثال أطلق عليه اسم "مصر تنهض" وسرعان ما انتشرت الصورة على نطاق واسع عبر السوشيال ميديا، حيث انتقد التمثال مئات الألوف من المصريين بينهم فنانون تشكيليون، اعتبروا أن لا يختلف كثيراً عن أمثاله من الأعمال التي نفذها غير متخصصين ووُضعت في ميادين بمحافظات مصر المختلفة وهي الظاهرة التي لاقت اعتراضاً كبيراً واعتُبرت بمنزلة تشويه للفن وتلوثاً بصرياً.

التماثيل المسيئة، كما يفضل البعض أن يسميها لم تنل قدراً كبيراً من الهجوم، لأن من ينفذها في الغالب مقاولون بالاتفاق مع الجهات المسؤولة في كل محافظة في إطار تزيين وتجميل الشوارع، وسرعان ما كان صخب مواقع التواصل الاجتماعي يهدأ بعد تدخل جهات معنية في الدولة مثل جهاز التنسيق الحضاري التابع لمجلس الوزراء بإزالة هذه التماثيل واستبدالها بأخرى تتفق ومعايير الفن.

لكن الأزمة الأخيرة كان بطلها أستاذ الخزف في كلية التربية النوعية بجامعة حلوان، أحمد عبدالكريم، وهو حاصل على الدكتوراه في فلسفة التصميم الخزفي الصناعي من كلية التربية النوعية بجامعة القاهرة، وله العديد من الأعمال المتميزة، كما أنه مثَّل بلاده في بيناليهات فنية عالمية، أبرزها بينالي فينيسيا الدولي، وهو ما دفع آخرين للدفاع عنه وعن عمله الفني الذي يندرج – وفق وجهة نظرهم – إلى المدرسة التكعيبية، وبالتالي فإن التمثال يحمل معنى ويعكس جانباً فنياً في نفس الفنان، وليس عملاً طبيعياً تأثيرياً.

المصري القديم

واعتبر البعض أن التمثال مهين للحضارة الفرعونية التي اشتهرت بفن النحت ولا تزال أعمال المصري القديم من تماثيل عمرها يصل إلى أكثر من خمسة آلاف سنة شاهدة على روعة النحات المصري. وفي هذا الصدد قال عالم المصريات وزير الآثار المصرية الأسبق زاهي حواس، تعليقًا عن التمثال: "لا أرى فيه أي شيء يدل على النهضة، هذا فن رديء، تمثال بلا أي لمحات فنية وليس به أي شيء يدل على وجود صلة بينه وبين أي من ملكات الفراعنة".

وبينما عقد البعض مقارنة بين تمثال "مصر تنهض" وتمثال "نهضة مصر" للمثّال الراحل محمود مختار الذي يعبر عن قيمة جمالية تعكس أصالة الحضارة المصرية، اعتبروا أنه رغم تشابه اسم التمثالين فإن هناك فارقاً كبيراً بينهما يقدر بسنوات ضوئية.

من جانبه، دافع عبدالكريم عن عمله الفني، وقال إنه تلقى اتصالات من معجبين بالتمثال من داخل مصر وخارجها، لافتاً إلى أن التمثال كما ظهر في الصور التي نشرها ليس في مرحلته النهائية، مؤكداً وجود بعض الجوانب الرمزية في العمل لم يجر الانتهاء منها بعد.

وأصدر النحات المصري بياناً على صفحته بموقع "فيسبوك" يقول فيه إن تمثال "مصر تنهص" عمل تجريبي للنحت المباشر على الرخام، ولم يُكلَّف به من أي جهة، ولم ينته منه بعد، في إشارة إلى أن التمثال لن يُصنع ليوضع في أي مكان في مصر، خلافاً لما جري الترويج له عبر السوشيال ميديا.

وتابع في بيانه أن "البعض استغل التمثال للإساءة إلى كل جميل، وللضغط على بعض الجهات لتحقيق أغراض شخصية، ووجدوا ملاذهم في هذا العمل غير المكتمل لتحقيق أهدافهم"، مضيفاً: "فيما يخص الإساءة لشخصي وجب عليّ التوضيح بأن لي تاريخا فنيا طويلا يعلمه الجميع". وأوضح عبدالكريم أن التمثال عبارة عن سيدة تجسِّد مصر وهي تحاول الخروج من الكتلة التي تمثل القيود، في إشارة إلى بلاده التي تحاول أن تخرج من عثرتها، حتى اليد الموضوعة عند البطن من المفترض أن تكون ممسكة بشيء، لكن التمثال لم يكتمل بعد، مؤكداً أن الفن حذف وإضافة إلا في حالة الرخام، إذ يعتبر النحت بالرخام "حذف فقط" من الكتلة الحجرية، فمن المفترض أنه سيحذف من التمثال حتى يصل إلى الكتلة التي يرضى عنها الجمهور المتلقي.

back to top