الوثيقة
نعم أنا أقصد تلك الوثيقة المسماة "الوثيقة الاقتصادية" التي أثارت جدلاً واسعاً في أروقة كل من مجلس الوزراء ومجلس الأمة، ناهيك عن الانتفاضة "الشعبوية" المتسببة منها، والتي أشعلت نيران غضب أطراف عدة معارضة لها، وجعلت من آخرين فرسان دفاع عن معسكر الوثيقة وما فيها من حسنات. لن أتكلم عن مدى ثقة الشارع في أنها (الوثيقة) لن تمس جيوب المواطنين وتجعلهم يُحَصلون فاتورة كورونا من الدولة، أو ﺇذا ما كانت تحت الدراسة ولن تدخل حيز التنفيذ عن قريب، فإن كان ولابد، يستطيع المرء أن يَطلع عليها بنفسه، ويعرف ﺇذا ما كانت تمَس جيبه أم لا من خلال عدد من البنود التي تحملها في طياتها، وﺇن كانت تحت الدراسة، فإرسالها ﺇلى جهات الدولة لإبداء الرأي والمقترحات لا معنى له الآن. بنود وصياغة تلك الوثيقة تذكرني شخصياً بتلك التي نراها في أفلام السينما من صناعة هوليوود، والتي تدس السم بالعسل ﺇلى أبعد الحدود. تُسَمى تلِك الوثيقة عادةً "عقد الشيطان" أو مجازاً الوثيقة الشيطانية التي تكون بين شخص بسيط مكتظة حياته بالمشاكل الشخصية وبين الشيطان ذات نفسه، فيبدأ أمير الظلام بتصويرها له على أنها نافذة الخلاص ومنجاته من العراقيل والمشاكل في حياته. فمن بعد التوقيع عليها يَجد ذاك المسكين أن مشاكله السطحية البسيطة قد حُلَت فعلاً وأصبحَ ينعم بشيء من السعادة الظاهرية والاستقرار، ذلك كله طبعاً ﺇلى أن يأتي الوقت الذي تُحصّل فيه فاتورة تلك الوثيقة.
حينها يكتشف أن روحه هي الثمن، وقد سلم نفسه وعقله وكيانه ﺇلى ﺇبليس الرجيم نفسه مدى الحياة. طبعاً هذا كله يحدث فقط في الأفلام وليس له أي صلة بواقع المواطن من الطبقات المتوسطة والشعبية (المعتلة أصلاً) ولا يقاس بموضوعنا اليوم، أليس كذلك؟!!من يُراجع الوثيقة وبعين محايدة يجد فيها عدة بنود حسنة وباستخدام كلمات يحُبها الشارع كذلك، ولكن من المستنكر أن يتم (حتى ولو كاقتراح) تجميد كل الزيادات والترقيات السنوية على كل الجهات بما فيها تلك الجهات المستقلة، كما ستَجد فيها "مقترح" تخفيض نسبة مشاركة الحكومة في التأمينات الاجتماعية للموظفين، وأيضاً و"تلك حبة الكرز التي تزين الكعكة" كما يقولون في بعض دول الغرب، "مقترح" يمهد لإيقاف بعض التعيينات وﺇيقاف صرف المكافآت دون ضوابط وتسمية الأمور بمسمياتها. والآن وببساطة شديدة يتساءل المرء: هل تم استرداد ما اختلس من التأمينات ومعاقبة "الجناة"؟! وهل تم ﺇيقاف صنابير الهدر من ميزانية النثريات وما شابه؟! وهل تمت معاقبة تجار البشر ومحاسبتهم فرداً فرداً وتحميلهم غرامات ومصاريف تبعات خستهم وجشعهم؟! وهل... وهل... وهل... ﺇلى ما شاء الله؟! نسمع بقضايا عدة، وندخل في دوامة جديدة كل أسبوع (أو أحياناً كل يوم) من صناديق "باندورا" وشبهات غسل وﺇتجار بالبشر وغيره. لم نسمع ﺇلا بمتهمين قلة وبعضهم يخرج بكفالات، ولم نسمع بتحصيل مبالغ مستحقة منهم، وعلى مدى سنين طوال!! هل سيدفع الشعب الفاتورة الآن؟! يبدو لي ذلك والله أعلم. الحل الآن هو في إيقاف وسحب الوثيقة برمتها، والبديل هو طرح مشروع وثيقة اقتصادية يشارك فيها أطياف المجتمع وقواه السياسية كافة، والاستعانة بعقول اقتصادية كويتية تخاف الله في الشعب ومطالبه وقوت يومه. ففي نهاية المطاف، وكما يقول المثل الشعبي: "هذا جيشك يا بوسالم" وأنا أقول "نحن شعبك يا حكومة". على الهامش: حريٌّ بنا أن نختار الأصلح لمجلس الأمة القادم بعد سيل المطالب الشعبية للمواطنين التي تم الضرب بها عرض الحائط على مدار السنوات الأربع الماضية، وﺇن كنا لا نعمم، لكن في كل دائرة نجد عدداً من النواب الذين خذلوا الشعب مرات عدة. وبما أن موسم الرسائل النصية و"الواتساب" قد حل علينا من جديد، فهذه رسالة قديمة-جديدة تدعو الجميع لاختيار الأصلح، القوي الأمين، لكن مع نظام الصوت الواحد الذي عزز الفئوية والقبلية والطائفية ﺇلى أبعد الحدود، أشك في أن يأتي مجلس يقتص للشعب حقوقه. هامش آخر: الويل ثم الويل ثم الويل لقاضي الأرض من قاضي السماء.