العامل الاقتصادي في بيلاروسيا

نشر في 20-08-2020
آخر تحديث 20-08-2020 | 00:00
ينبغي للاتحاد الأوروبي أن يرحب بحكومة جديدة من خلال تفعيل برنامج الشراكة الشرقية مع بيلاروسيا، وتوجيه الدعوة إلى الطلاب البيلاروسيين للمشاركة في برنامج إيراسموس لتبادل الطلاب.
 بروجيكت سنديكيت في أعقاب انتخابات مزورة في التاسع من أغسطس، ربما يبلغ حكم الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو الاستبدادي منتهاه قريبا، إذ تجتاح البلاد احتجاجات حاشدة، ويُـضـرِب العمال عن العمل في العديد من القطاعات الحيوية، وإذا سقط لوكاشينكو، فإن احتمالات نجاح بيلاروسيا في تأسيس اقتصاد سوق طبيعي تصبح قوية بدرجة مدهشة.

في عهد لوكاشينكو، حافظت بيلاروسيا على اقتصاد تهيمن عليه الدولة على الطريقة السوفياتية، والذي ظل راكدا منذ عام 2012، فلم يشغل لوكاشينكو نفسه منذ تولى السلطة في عام 1994 بأي شيء غير ترسيخ قدميه في السلطة وتمكين أفراد أسرته ودائرة مُـحـكَـمة من المقربين من إثراء أنفسهم. يضم القطاع العام ثلاثة أرباع الاقتصاد، والذي يعتمد إلى حد كبير على الصناعات الثقيلة وتهيمن عليه قِـلة من الشركات الضخمة المملوكة للدولة، وتميل الشركات الخمس الأكثر أهمية- شركة البوتاس بيلاروسكالي، وأكبر مصفاتين لتكرير النفط، وشركة مينسك تراكتور ووركس، ومصنع مينسك للسيارات- إلى الاعتماد على الدعم وانعدام الكفاءة، ويخضع الاقتصاد في عموم الأمر للتنظيم الشديد.

ظل اقتصاد بيلاروسيا يعتمد بشكل كبير على روسيا، فالسلع الصناعية المنخفضة الجودة التي تنتجها البلاد غير قادرة على المنافسة في الغرب، ولهذا السبب تعتمد على روسيا لشرائها، في حين تبيع الغرب البوتاس والنفط المصفى، حتى وقت قريب، كانت روسيا تدعم اقتصاد بيلاروسيا من خلال توفير الطاقة الرخيصة بقيمة تبلغ نحو 10% من ناتج بيلاروسيا المحلي الإجمالي، ولكن مع تدهور العلاقات الثنائية في السنوات الأخيرة، ألغى الكرملين إعانات الدعم هذه للضغط على نظام لوكاشينكو.

قال لوكاشينكو إنه يريد أن يتقاضى جميع البيلاروسيين أجرا يعادل 500 دولار أميركي في المتوسط شهريا، ولكن لأن هذا يتجاوز ما يستطيع الاقتصاد دعمه، فقد عانت بيلاروسيا من أزمات الصرف الأجنبي على نحو متكرر، في الفترة من 2009 إلى 2010، حظيت بيلاروسيا بخطة إنقاذ من صندوق النقد الدولي، لكن الحكومة خالفت شروط الترتيب مع الصندوق، ولم تتلق أي تمويل منذ ذلك الحين، وبحلول نهاية 2011، ارتفع التضخم إلى 109%، وعند هذه النقطة تدخلت روسيا لمساعدة لوكاشينكو.

منذ ذلك الحين، حاول لوكاشينكو دون جدوى مناشدة كل من روسيا والغرب طلبا للدعم المالي، من منظور الاتحاد الأوروبي، تشكل بيلاروسيا قضية حساسة، ففي حين يريد قادة الاتحاد الأوروبي الدفاع عن المبادئ الديمقراطية، وهو ما يعني ضمنا معاقبة لوكاشينكو ورفاقه بسبب انتهاكاتهم المتكررة، فإنهم يريدون في ذات الوقت الحفاظ على بعض النفوذ في البلاد، ولهذا كانوا حريصين على عدم إرغام لوكاشينكو على الاحتماء بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

بعد أن أطلق لوكاشينكو سراح جميع السجناء السياسيين في بيلاروسيا في عام 2016، رفع الاتحاد الأوروبي عقوباته الشخصية ضده، وبدأت منظمات دولية مثل صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، والبنك الأوروبي لإعادة البناء والتنمية، تعود إلى التعامل بحذر مع بيلاروسيا، لكن الولايات المتحدة أبقت على عقوباتها الشخصية ضد لوكاشينكو.

الواقع أن الاقتصاد البيلاروسي يحتاج بشدة إلى التحرير والخصخصة، وهو يتمتع بالمقومات الأساسية اللازمة لإطلاق مثل هذه العملية، إذ تمتلك البلاد العديد من الأصول، وقد حافظت على أفضل ما في نظام التعليم السوفياتي، حيث تقدم تدريبا ممتازا في الرياضيات والعلوم الطبيعية، وعلى الرغم من خضوعها لحكم استبدادي، أصبحت بيلاروسيا موطنا لصناعة كبرى في مجال البرمجيات، والعديد من الجاليات البيلاروسية المغتربة الضخمة على استعداد للعودة عندما يحين الوقت المناسب.

علاوة على ذلك، برزت بيلاروسيا في الحقبة السوفياتية كواحدة من أفضل 15 جمهورية اتحادية أداء، وظل هذا صحيحا، مع تسامح لوكاشينكو مع التكنوقراط الأكفاء في مختلف الوزارات. ونتيجة لهذا، لا تزال بيلاروسيا تتمتع بأفضل إدارة حكومية بين الجمهوريات السوفياتية السابقة، بما في ذلك بنك مركزي مقتدر ووزارة مالية ذات أهلية. على سبيل المثال، بينما كان لوكاشينكو يرفض الحقائق حول جائحة مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19)، كانت وزارة الصحة تبلغ منظمة الصحة العالمية بالبيانات حول الحالات بكل دقة. وبقدر ما يوجد فساد سياسي في بيلاروسيا، فيبدو أنه يتركز في الأغلب في قمة النظام.

ليس من المستغرب أن يتجنب المستثمرون الدوليون بيلاروسيا إلى حد كبير (وإن كانت تمكنت من جمع 1.25 مليار دولار أميركي في هيئة سندات اليورو في أواخر يونيو)، ولكن على وجه التحديد، بسبب عجز لوكاشينكو عن اجتذاب أي قدر يُـذكَـر من التمويل الدولي، يعادل إجمالي الدين العام في بيلاروسيا 18 مليار دولار فقط- أو 29% من الناتج المحلي الإجمالي- وفقا لوزارة المالية.

مع السيطرة على التضخم السنوي عند مستوى نحو 5%، ومع عودة جميع المؤسسات الدولية ذات الصلة إلى المشاركة بالفعل، فإن بيلاروسيا تصبح في وضع يسمح لها بإجراء التحول إلى اقتصاد سوق يعمل على النحو الصحيح، وفي ظل قيادة جديدة، ينبغي لها أن تكون قادرة على اجتذاب القدر الكافي من التمويل الدولي لصيانة استقرار الاقتصاد الكلي، وستكون قوتها العاملة الجيدة التعليم الشديدة الانضباط قادرة أخيرا على تحقيق كامل إمكاناتها، ولحسن الحظ لابد أن يكون رفع الضوابط التنظيمية المفروضة حاليا على أسعار نحو خُـمـس السلع الاستهلاكية البيلاروسية وتحرير التجارة المحلية سهلا نسبيا، وتستطيع مؤسسات الاقتصاد الكلي القوية في بيلاروسيا أن تتعامل مع الضغوط التضخمية.

كما يجب الحد من إعانات الدعم المقدمة للشركات المملوكة للدولة، وهنا أيضا تستفيد بيلاروسيا من حقيقة مفادها أنها، على النقيض من غيرها من دول ما بعد الاتحاد السوفياتي، لا تتحكم فيها قـِلـة حاكمة، ولا تُـظـهِـر الكثير من الإشارات التي تدل على استيلاء كبار قادة الأعمال على الدولة، وتتركز أغلب الشكاوى حول الفساد داخل الدائرة الضيقة المحيطة بلوكاشينكو.

لكن ظروف البداية هذه قد تجعل الخصخصة أكثر صعوبة، وذلك ببساطة بسبب غياب الشركات الخاصة الكبيرة التي تعمل كنموذج وقدوة، وإذا بيع القسم الأعظم من الشركات المملوكة للدولة التي تفتقر إلى الكفاءة في السوق، فإن البيلاروسيين يخشون أن يَـنـقَـض رجال الأعمال الروس المحبون للمخاطرة لانتزاعها جميعا بأسعار بخسة.

فلفترة طويلة، حاولت شركة البوتاس الروسية أورالكالي الاستحواذ على شركة بيلاروسكالي، كما تسعى شركتا البتروكيماويات الروسيتان العملاقتان روزنفت ولوك أويل إلى الاستحواذ على مصفاتي النفط الكبيرتين في بيلاروسيا، ونظرا لهذه المخاطر، فربما يتمثل الخيار الأفضل في التنازل عن أغلب الشركات في هيئة أسهم فردية لمصلحة موظفيها الحاليين.

أيا كان القرار، ينبغي للغرب أن يكون حريصا على المشاركة، فإذا سقط لوكاشينكو، ستحتاج بيلاروسا إلى برنامج من صندوق النقد الدولي بمجرد تنصيب حكومة جديدة، كما تحتاج إلى المساعدة من جانب البنك الدولي والبنك الأوروبي لإعادة البناء والتنمية في مجال إلغاء القيود التنظيمية والخصخصة.

وسيؤدي الاتحاد الأوروبي أيضا دورا في هذا الصدد، وينبغي له أن يرحب بحكومة جديدة من خلال تفعيل برنامج الشراكة الشرقية مع بيلاروسيا، وتوجيه الدعوة إلى الطلاب البيلاروسيين للمشاركة في برنامج إيراسموس لتبادل الطلاب، ولا يجوز لنا أن نقلل من أهمية مثل هذه المشاركة المدنية في ردع أو تحييد التدخل الروسي.

* كبير زملاء المجلس الأطلسي في واشنطن، وأحدث مؤلفاته كتاب "رأسمالية المحسوبية في روسيا: من اقتصاد السوق إلى نظام حكم اللصوص".

«أندرس آسلوند»

السلع الصناعية المنخفضة الجودة التي تنتجها بيلاروسيا غير قادرة على المنافسة في الغرب

الاقتصاد البيلاروسي يحتاج بشدة إلى التحرير والخصخصة وهو يتمتع بالمقومات الأساسية اللازمة لإطلاق مثل هذه العملية
back to top