بدأت لهجة روسيا تتغير يوماً بعد يوم تجاه الأحداث الكبيرة، التي تشهدها جارتها بيلاروسيا التي تفصل بينها وبين اوروبا، والتي كانت تعتبرها موسكو باحة خلفية آمنة لها.ولا يبدو أن محاولات المعارضة طمأنة موسكو الى أنها تعترف بدورها التاريخي وبالصلات الجغرافية والثقافية والاقتصادية بين البلدين، ومحاولة الكرملين عدم إغداق الدعم على الرئيس البيلاروسي الكسندر لوكاشينكو الذي يحكم البلاد بقبضة من حديد منذ 26 عاماً، كافية لطمأنة روسيا.
ظهر ذلك في تصريحات لوزير الخارجية الروسي المحنك سيرغي لافروف أمس، حذر فيها من محاولات التدخل في شؤون بيلاروسيا لأهداف جيوسياسية.وقال لافروف: "ليس تدخلاً فحسب، بل يريدون فرض النظام الذي يرونه مفيداً لهم في بيلاروسيا". وعبّر عن الأمل في "ألا ينساق البيلاروسيون خلف المنطق الهدام المطروح حاليا والذي يطالبهم باختيار أحد اثنين، إما روسيا أو أوروبا".وغداة اتصالات بين الرئيس فلاديمير بوتين ونظيره البيلاروسي، هو الثالث في غضون أسبوع، وسلسلة اتصالات بين "سيد" الكرملين وزعماء أوروبا الذين عقدوا أمس قمة استثنائية لبحث الازمة في مينسك، قال "جنرال" الدبوماسية الروسية إنه لا يرى ضرورة لوساطة أحد من أجل تسوية الأوضاع في بيلاروسيا.وكان القادة الأوروبيون حضوا بوتين على الضغط على لوكاشينكو من أجل تشجيع حوار مع المعارضة.
لوكاشينكو
وفي مينسك، لم يتراجع لوكاشينكو، الذي يعتبره الغرب "آخر دكتاتوري في أوروبا"، ويلقبه أنصاره بـ "باتكا"، أي الوالد، قيد انملة. وتوعّد خصوصاً بـ"التعامل" مع المحتجين الذين يقيمون حواجز على مداخل المصانع الحكومية الكبيرة الموروثة من الاتحاد السوفياتي، والتي تلعب دورا حيويا في اقتصاد الدولة.وفي اجتماع لمجلس الأمن القومي لبلاده بمشاركة قادة المناطق عبر الفيديو، أمس، وصف لوكاشينكو هؤلاء المحتجين بـ "الغستابو" (الشرطة السرية النازية)، زاعماً انهم يمنعون العمال والمدراء من دخول المعامل.وبينما تتواصل تظاهرات المعارضة أمر لوكاشينكو الشرطة أمس، بالتصدي للاحتجاجات في العاصمة مينسك.وقال: «لا يتعين أن يكون هناك أي نوع من الاضطرابات في مينسك من الآن فصاعداً.الناس متعبون ويطالبون بالسلم والهدوء».وفي مواجهة أكبر تحدّ لحكمه الذي استمر 26 عاماً، أمر لوكاشينكو بتشديد الرقابة على الحدود لمنع تدفق «المقاتلين والأسلحة». وأمر لوكاشينكو أجهزة المخابرات أيضاً بمواصلة البحث عن منظمي الاحتجاجات.وفي خطاب نموذجي من رؤساء مروا بمثل هذه الازمة، دعا لوكاشينكو زعماء الدول الغربية الى الاهتمام بشؤونهم. وقال: "قبل أن يشيروا بأصابع الاتهام إلينا، عليهم أن يضعوا على جدول أعمال اجتماعاتهم، السترات الصفراء في فرنسا وأعمال الشغب المروعة في أميركا، وأود منهم أن يدرسوا قبل كل شيء الاحتجاجات ضد العزل المنزلي بسبب فيروس كورونا في ألمانيا ودول أخرى في أوروبا".ومن ليتوانيا، التي فرت اليها بعد الانتخابات المثيرة للجدل التي جرت في 9 اغسطس الجاري وتسببت بهذه الازمة، دعت زعيمة المعارضة سفيتلانا تيخانوفسكايا، أمس، الأوروبيين إلى رفض نتائج الانتخابات الرئاسية "المزورة" التي جرت في 9 أغسطس، وأُعلن فوز لوكاشينكو بنسبة 80% من الأصوات.وقالت تيخانوفسكايا باللغة الانكليزية في تسجيل فيديو موجه إلى القمة الاوروبية: "أطلب منكم عدم الاعتراف بهذه الانتخابات المزورة". وأضافت: "لوكاشينكو فقد كل شرعية في نظر أمتنا والعالم". وتابعت قبل ساعات من اجتماع لمجلس الأمن ناقش الأوضاع في مينسك، أن "الناس الذين ذهبوا للدفاع عن أصواتهم في شوارع مدنهم في كل أنحاء بيلاروسيا تعرضوا للضرب المبرح وأدخلوا السجن وتعرضوا للتعذيب من قبل نظام يتمسك بيأس بالسلطة".وفي أعقاب مشاورات استمرت نحو ثلاث ساعات، أعلن الاتحاد الأوروبي انه لن يعترف بنتائج الانتخابات الرئاسية في بيلاروسيا ومستعد لدعم عملية انتقال سلمية للسلطة.