«مرويات شفاهية» ركن أساسي في المسرح والحكاية
قراءة للكاتب محمد جواد في كتاب للشاعر والحكواتي علي أبوعراق
سلط الكاتب محمد جواد الضوء على أهمية الشاعر والحكواتي علي أبوعراق من خلال مروياته الغنية بأصناف الموروث الشعبي.
يقول الكاتب محمد جواد: ندهني الشاعر والحكواتي علي نكيل أبوعراق لحظة كنت غارقاً بقراءة رباعية «سيرة المسرح... أعلام وأعمال»، للقامة المسرحية روجيه عساف، التي اهتمت بنشأة المسرح القديم، وهذه الأجزاء الأربعة نقلت لنا حياة الشعوب الموغلة في القدم لحضارات سادت ثم بادت، من خلال الأساطير والملاحم، مما حداني وأعادني إلى ما رواه الشاعر والحكواتي الجميل علي أبوعراق من خلال «مرويات شفاهية من الموروث الشعبي العراقي».وبما أن الموروث العراقي ركن أساسي لموروث المسرح والحكاية القديمة، فمرويات أبوعراق لابد أن تكون جزءاً من التراث العام الذي أرسى قواعد المسرح.
التاريخ والقانون
ويضيف جواد» من أجمل ما اشتغل عليه أبوعراق، أنه جعل العراق بوتقة فصهر بها كل الطوائف والقوميات، وأشاد بكل المعتقدات والاهتمامات، وهذا إن دل إنما يدل على سلامة السريرة والفكر النقي. لذا نجد أن هذا الكتاب أصبح ذاكرة عراقية بل مرجعاً للوقوف على أحزاننا لأننا مجتمع أسقط من قاموسة الفرح.لقد أبلى أبوعراق بلاءً حسناً عندما أفرز مساحات واسعة من المرويات التي تخص المرأة، رغم سطوة الرجل وخنوع المرأة للخطاب الذكوري، فالرجل هيمن وبسط «فرمانه» الاضطهادي وكيّفه مع إطار ديني متخلف وعدم مراعاة الجانب المتنور للدين والذي أنصف المرأة وصان كرامتها، بل ظل يكيل بميزان القضاء والقدر ليبرر اضطهاده للمرأة وكأن القضاء جاء على قياس المرأة فقط ولم يشمل الرجل صاحب الكرامة، لكن المرويات أنصفت المرأة وأظهرت بطولاتها رغم المعاناة بل أنار مشاعل النور التي أنارتها خلال رحلة النضال الطويلة.ويتابع جواد: بالعودة إلى الماضي والاستمتاع بقراءته أجد هناك من يعتقد بأن الماضي لايُعتد به بهذا الزمن أو لايعول عليه، لكنني أجد نفسي أمام قراءة عامرة بالتجارب وغنية بالبعد الإنساني، وأعتقد كما أسلفت أن لولا هذه المرويات الثقافية لما استلهم الشعراء والكتاب حكاياتهم فكانت المرويات الجسر الرابط بين القارئ والموروث حتى تتبسط التجربة ويكون فعلها بشكل مؤثر.إذن، فالمرويات هي أصل الوجود لما نحن فيه الآن برغم من أنها لاتشبه عصرنا، لكنها تبقى حجر الزاوية للتاريخ، وتبقى هي الحكايات معيناً لا ينضب للكتابة، فعالم الحكايات الشعبية فيه من التحليلات مرتع فكري ومنهل عظيم وعالم واسع لتدوين الحكاية الخيالية أيضاً.الحرمان والإهمال
وتتميز مرويات أبوعراق بالبساطة التي يتحدث عنها ويرويها، حيث يشكلها ويكتبها بواقعية ويسر ويقدمها للقارئ بشكل جميل تحمل الروح الإنسانية وتفاؤلها بالحياة، فمعظم شخصياته من الفقراء والمعدمين الذين يعانون شظف الحياة وبؤسها، كما تعاني هذه الطبقة الحرمان والإهمال، وهم وقود هذه الحياة واستمراريتها، ويدها التي تنتج كي يتنمر الإقطاعي وينعم الفقير بالفتات الساقط من أيدي المتسلطين.واللافت للنظر، أن شخصيات المرويات رغم كل القهر والظروف الغامضة التي مرت بحياتهم فإن روابط الحب والإنسانية والإيمان بالغد تجمعهم.ويوضح ، هنا لابد من التنويه أن الكاتب أبوعراق برع في كتابة الشخصيات التي استلهمها من الحياة اليومية المروية أو حتى التي عايشها وعاش ظروفها ونجد أن المؤلف قد صاغ شخصياته بواقعية ولم يدخل الخيال الى جوانبها بل صاغها بشكل شاعري وهو الشاعر الجميل، كما نجد أن شخصياته لم تجمع أو تلتقي في مكان واحد ولم يعمل هو أن يجمعه، ويجعل منها قصة قصيرة أو يكتب عنها رواية، بل كان الحكواتي الذي تربع على كرسي الديوان يحكي لنا ونحن ننصت هادئين للراوي العليم وهو يسرد لنا حكايات الماضي الجميل، لما عانته أمهاتنا من عوادي الزمن.دولاب الحاضر
وهنا يترك القارئ ويحفزه للتفكير بما تحويه هذه المرويات وما تشتمل عليه وكيف كانت الحياة آنذاك ويلزم الكاتب القارئ بأن يوصل الخيط الرفيع الذي يربط الماضي بدولاب الحاضر كي تكتمل الصورة التي أراد من خلالها إكمال الإطار الدي يضمنا كي يؤكد أن الصورة هي نتاج الأمس الذي سبرت غوره هذه المرويات المنقولة شفاهاً.وختم جواد: أبوعراق شكراً وليت هناك ممن ينبري لهذا المنجم من الحكايا والمرويات وإعدادها فنياً كي تنعش ذاكرة هذا الجيل، جيل التظاهرات والتكتل الذي عاد من جديد بعد ان حجرت عليه قوى الظلام وأضاعت هويته، أن تعيده لسكة العراق العظيم وتاريخه وحكاياته التي لاتنته.