لم يكن أكثر المتشائمين يتوقع أن تحدث هذه الكارثة المروعة التي حرقت البشر والحجر وهدمت المباني ودمرت الممتلكات فيما يشبه ما حدث في هيروشيما اليابانية عندما تم تفجير قنبلة نووية في الحرب العالمية الثانية، لقد كانت الصدمة مذهلة لمن كانوا في موقع الانفجار الكبير، ولمن كانوا يتابعون المشاهد والصور المأساوية التي تناقلتها وسائل الإعلام، والتي أظهرت أن هناك حدثاً جللاً أصاب باريس الشرق الهادئة والتي يقصدها الكثيرون بحثاً عن الراحة والاستجمام ورؤية مناظرها الخلابة والتعامل مع شعبها الطيب الراقي.لقد كانت بيروت مع موعد لحادث مأساوي هز بحرها وأرضها وأحدث فيها جرحا عميقا وكأن المصائب لا تأتي فرادى، فلبنان يعاني أزمة اقتصادية طاحنة وثورة مستمرة منذ شهور على تردي مستوى المعيشة، فضلاً عن تهديد الاحتلال الإسرائيلي المتواصل لهذا البلد الذي يقبع جزء منه تحت الاحتلال، ويتعرض لضربات بين الحين والآخر، ناهيك عن الانقسام السياسي والطائفي العميق الذي تتزايد وتيرته بصورة تعيد إلى الأذهان الحرب الأهلية التي أكلت الأخضر واليابس واحتاج لبنان سنوات وسنوات حتى يسترد عافيته ويتم إعماره.
ويتهم كثيرون حزب الله المدعوم من إيران بالوقوف وراء الكثير من المصائب في لبنان، ومنها جره بين فترة وأخرى إلى حرب خاسرة مع الكيان الصهيوني المحتل وفرض شروطه على الواقع السياسي وجعله منقسماً ومكبلاً وفاشلاً في اتخاذ القرارات والإصلاحات في الرئاسات الثلاث رئيس الجمهورية والبرلمان ومجلس الوزراء، وأخيراً وليس آخراً توجيه أصابع الاتهام لهذا الحزب الذي يعد دولة داخل الدولة بأن أطنان المواد المتفجرة التي كانت مخزنة في مرفأ بيروت تعود له، وأنه يرفض إخلاءها من المرفأ منذ ٦ سنوات، ورغم أن الرئيس اللبناني ورئيس الحكومة وعدا بكشف الحقائق ومعاقبة المسؤولين فإن هناك شكوكا تحول دون تحقيق ذلك في ظل أحداث مأساوية وإرهابية سابقة شهدها لبنان ولم تظهر التحقيقات التي جرت في الداخل نتائج لها، ولم يحاكم أو يعاقب مسؤول واحد عنها.ووسط الظلام الدامس في المشهد اللبناني خرجت أشعة النور التي تجسدت في التضامن العالمي مع هذا البلد المنكوب، حيث سارعت الدول العربية والأجنبية إلى تقديم يد العون والمساعدات للشعب اللبناني، وتعهدت الحكومات أن يصل الدعم إليهم لا إلى أيدي الفاسدين من النخبة السياسية والحكام، وكعادتها كانت الكويت سباقة في إغاثة اللبنانيين وأرسلت شحنات من المواد الغذائية والأدوية والمستلزمات الأخرى تقدر بـ١١ مليون دولار، كما قدمت ٣٠ مليون دولار أخرى خلال مؤتمر المانحين للبنان الذي دعا إليه الرئيس الفرنسي، إضافة إلى حملات التبرعات التي أطلقتها المؤسسات الكويتية الخيرية، وإن كانت الأموال لن تعيد الأرواح التي زهقت في هذا الحادث المأساوي فإنها قد ترسم البسمة على وجوه من تدمرت منازلهم وممتلكاتهم، وتساهم في إعادة إعمار هذا البلد المنكوب ليعود إلى بريقه وجماله المعهود.
مقالات - اضافات
لبنان الجريح
21-08-2020