كشف وباء كورونا المستجد سوءة السكن الاستثماري في البلاد والذي كان سببا في انتشار الوباء بين العمالة الوافدة من جنسيات مختلفة وذلك بسبب تكدس تلك العمالة في السكن الخاص، حيث تبين ان الشقة الواحدة في عدد من المناطق كان يقطنها في بعض الأحيان 20 شخصا، إضافة إلى ظاهرة تأجير الأسرة لمدة 8 ساعات يوميا لبعض افراد العمالة، في مقابل الحديث المزمن الذي يعود الى اكثر من 30 عاما عن إنشاء مدن عمالية نموذجية تستوعب الأعداد الكبيرة للعمالة، وهو حديث بقي على الورق فقط، وما تم إنشاؤه منها لا يرقى الى حجم العمالة المقيمة ولا يتناسب مع الكويت كأحد أغنى البلدان في العالم. وفي موازاة الحديث عن طرح اكثر من 6 مدن عمالية كحد ادنى فانه لم ينفذ منها الا مدينتا صبحان والشدادية اللتان لا تتمتعان بمقومات المدينة المتكاملة ويقتصر دورهما على تأمين السكن فقط من دون الخدمات الاخرى كالمراكز الصحية والامنية ومقرات الجمعية وخدمات البنية التحتية المختلفة. «الجريدة» سألت عددا من الخبراء عن مبررات عدم إنشاء المدن العمالية التي تستوعب عمالة تتجاوز المليون وافد وأغلبهم من العزاب لا سيما ان توزع هذه العمالة في مناطق سكنية تسبب بمشاكل كثيرة وضغوط على البنية التحتية في البلاد.
بداية يقول الخبير العقاري عبدالعزيز الدغيشم: منذ فترة طويلة ونحن نطالب بإيجاد مدن عمالية متكاملة الخدمات، يتوفر فيها المخفر والجمعية ويتوفر بها السكن الصحي والآمن وتكون بعيدة عن السكن الاستثماري والنموذجي إلا أنه إلى اليوم لا توجد مثل هذه المدن العمالية التي من شأنها ان تقضي على الكثير من الظواهر السلبية التي نعاني منها الآن، والتي فضحها وباء كورونا، مثل استغلال بعض التجار للسكن الاستثماري وتأجير الأسرّة للعمالة كل 8 ساعات، ومع الأسف هذه العمالة تخدم في المناطق المختلفة وكانت أحد الأسباب في انتشار الوباء. وتابع: هناك بطء من الحكومة في إنشاء مثل هذه المدن العمالية النموذجية التي من شأنها أن توفر الأمن والأمان للعمالة الوافدة ذات الرواتب المنخفضة، إضافة إلى أنها توفر الأمن لباقي المناطق الأخرى، فلا يعقل أن تقيم عائلة بجانب عمارة بها سكن عزاب في نفس المنطقة، فهذا الأمر غير مطمئن سواء كانت تلك العائلة لمواطنين أو مقيمين. وأضاف ان النماذج التي أنشئت لبعض المدن العمالية في بعض المناطق ليست صحية، الأمر الذي يتطلب أن تقوم الحكومة بإنشاء مدن عمالية تستوعب الأعداد الكبيرة للعمالة الوافدة من كافة الجنسيات والتي تعمل في مختلف المهن، بأسعار تتناسب مع أجور تلك العمالة. وقال: لا نريد أن تقام مدن عمالية عشوائية، ومن المفترض أن تسعى الحكومة بجدية لإقامة مثل هذه المدن، وتوفر بها المستشفى والمخفر والجمعية وخدمات البنية التحتية المختلفة لتكون مدنا عمالية لائقة بالمعيشة الآدمية.
أسطوانة مشروخة
من جانبه قال الخبير العقاري قيس الغانم إن الحديث عن "المدن العمالية" أصبح اسطوانة مشروخة، ومنذ ما يقارب الـ 30 عاما وهناك حديث عن إنشاء المدن العمالية، مبينا أن هناك مدنا استثمارية في بعض المناطق مثل الفروانية وخيطان وحولي والمهبولة يمكن أن تخصص لتلك العمالة على أن يطبق بها الاشتراطات الصحية اللازمة. وتساءل: ما الفرق بين المدن العمالية التي سيتم إنشاؤها في مناطق خارجية بعيدة، وبين تلك العمائر الاستثمارية المشيدة فعليا والتي استثمر بها أصحابها؟ هل نتركها فارغة ونضرب القطاع العقاري الاستثماري في البلاد؟ وتابع إن العازب الذي يأتي إلى الكويت باحثا عن رزقه هو إنسان ينبغي أن يعيش وسط مجتمع، ويتوفر له الخدمات المختلفة من مطاعم وأسواق وغير ذلك من احتياجات للإنسان داخل المجتمع، لافتا إلى أنه من السهل جدا أن يتم توفير عمائر داخل المحافظات في قطع معينة تخصص فقط لسكن العمالة بشرط ألا يزيد سكان الغرفة على 4 أشخاص، وتتم متابعتها صحيا.التركيبة السكانية
من ناحيته، قال الخبير العقاري طارق العتيقي إن مشكلة "المدن العمالية" مشكلة حساسة جدا، لأنه من الواضح أنه لا توجد رؤية سابقة وجدية لحل مشكلة التركيبة السكانية في البلاد، مشيرا إلى أن الكويت منذ زمن بعيد تتوافد إليها العمالة الهامشية، وتلك العمالة تأتي إلى الكويت برواتب زهيدة لا تزيد في الكثير من الأحيان عن 100 دينار. وأضاف: من حق هذا العامل أن يعيش من خلال هذا المبلغ، ويدخر منه ليرسل إلى أهله، وعدم وجود مدن عمالية إسكانية تتوافر فيها شروط السكن الصحي والمناسب لأجور تلك العمالة يعد قصورا من الحكومات السابقة المتعاقبة. وقال العتيقي: كان من المفترض أن يتم إنشاء تلك المدن متكاملة بالخدمات الصحية والتجارية، إلا أن عدم وجودها ساهم في ارتفاع أسعار العقارات في البلاد، مبينا أنه عندما تم هدم مدينة خيطان الجديدة لكي تتخلص الحكومة من مشاكلها اتجهت العمالة التي كانت تقيم فيها إلى الفروانية والجليب والمهبولة والسالمية ولم تحل مشاكل ارتفاع الإيجارات مع حصول تلك العمالة على رواتب ضعيفة الأمر الذي أدى إلى انتشار وباء كورونا ما بين تلك العمالة.إشراك القطاع الخاص يحل الأزمة
دعا العتيقي وزيرة الدولة لشؤون الإسكان وزيرة الأشغال العامة الدكتورة رنا الفارس إلى أن تنظر إلى مشكلة العمالة الوافدة التي لا يمكن الاستغناء عنها نظرة جادة وتوفر لها تلك المدن الإسكانية بالخدمات التي تحتاج إليها، مثل المواصلات والجمعيات التعاونية والمستوصفات الصحية، لافتا إلى أن تلك المدن ستقضي على الكثير من المشاكل التي نعاني منها اليوم.وشدد على أهمية النظر بجدية إلى تلك المشكلة ووضع حلول لها من قبل الحكومة الحالية، خاصة أن الكويت لا يمكن أن تستغني عن تلك العمالة التي تعمل في بعض المهن التي لا يعمل بها الكويتي مثل نظافة الشوارع، والسائقين وغيرها الكثير من المهن الأخرى التي لا تستغني عن تلك العمالة. وقال: لو كانت تلك المدن العمالية موجودة لوفرت على وزارة الداخلية الكثير من المجهود الذي بذل خلال فترة الحظر والعزل، ووفرت الكثير من الأموال والمجهود الذي قامت به وزارة الصحة خلال الأزمة الحالية المتعلقة بـ «كورونا».وأشار إلى أن الحكومة إذا لم يكن لديها السيولة المادية لإنشاء تلك المدن يمكن أن توفر الأرض للقطاع الخاص الذي يمتلك حاليا ودائع تقدر بـ 45 مليار دينار في البنوك، ويقوم بدوره بإنشاء مثل هذه المدن العمالية وتحل الأزمة التي تعاني منها البلاد في مختلف القطاعات، متمنيا أن تولي الحكومة الحالية أهمية لتلك المدن وتسرع في إنشائها.