أُحيطت زيارة رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي لواشنطن باهتمام كبير ركّز على تفاهمات واعدة مع عمالقة الاقتصاد الأميركي، وتأكيد التزام البيت الأبيض بدعم بغداد ضد نفوذ الميليشيات الموالية لطهران، لكنّ ذلك تزامن مع موجة قاسية من الاغتيالات في البصرة، استهدفت قادة الاحتجاج الشعبي المناهضين لنفوذ إيران.وفي مستهل الزيارة، التي مُدِّدت يوماً إضافياً بطلب أميركي، قال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في مؤتمر صحافي، إن واشنطن ملتزمة بدعم استقلال القرار العراقي ضد سلطة الميليشيات؛ لأن ذلك هو مطلب الاحتجاجات الشعبية المندلعة منذ أكتوبر الماضي، لكنّ مجهولين اغتالوا بعد مؤتمر بومبيو بقليل، الطبيبة رهام يعقوب في البصرة، وهي أبرز ناشطة عبّأت المشاركة النسوية في الاحتجاجات جنوب البلاد منذ عام 2018.
وقال ناشطون في البصرة، إن موجة الاغتيال، التي لاحقتهم منذ الجمعة الماضي، هي جزء من تهديدات شخصية مباشرة مازالت تشمل أبرز منظمي الاحتجاجات، مؤكدين أن تصاعد وتيرة التظاهرات سيتواصل للرد على ذلك.ووصل وزير الداخلية العراقي إلى البصرة، صباح أمس؛ لبحث الوضع المتفجر هناك. وكان الكاظمي أجرى تغييراً للقادة الأمنيين بالمدينة قبل سفره إلى واشنطن، لكنّ ذلك لم يقنع الناشطين الذين اتهموا حكومة الكاظمي بالضعف والتردد إزاء نشاط المسلحين الموالين لطهران.وذكرت أوساط مقربة من الكاظمي، أنه رفض أن يكون ساعياً للبريد بين طهران وواشنطن، متمسكاً بدور محايد، كما لم يقدم وعداً لحلفاء إيران بشأن بحث الانسحاب الأميركي من العراق، تاركاً ذلك لمشاورات فنية وأمنية مرنة، في حين أبرم جملة اتفاقات اقتصادية مع الولايات المتحدة، خصوصاً في مجال الغاز، يمكنها جعل العراق يستغني عن استيراد الوقود الإيراني لمحطات كهربائه، مما يفقد طهران بضعة مليارات من الدولارات سنوياً، هي في أمسِّ الحاجة إليها.
ويربط المراقبون مواقف الكاظمي إزاء طهران بتصاعد مكثف لهجمات بصواريخ الكاتيوشا تستهدف مطار بغداد والمنطقة الحكومية بالعاصمة حيث سفارة الولايات المتحدة، ومكاتب الكاظمي وكبار المسؤولين، كما صعّدوا هجماتهم بالعبوات الناسفة ضد قوافل الإمداد التابعة للجيش الأميركي التي تتحرك بين البصرة وبغداد.ويحذِّر الناشطون العراقيون من استمرار موجة استهدافهم بعد مقتل ثمانية منهم في أغسطس الجاري وحده، ونجاة عشرة من محاولات اغتيال، معللين ذلك بتصاعد المواجهة السياسية بين بغداد وطهران.ويرى المراقبون أن الميليشيات قد توسع عمليات استهداف الناشطين؛ لتحييد مرشحين مُحتملين يمثلون حركة الاحتجاج في الانتخابات البرلمانية المبكرة، المقرر إجراؤها بين صيف وخريف العام المقبل.وتذكر أوساط مقربة من الكاظمي أنه سيعود إلى بغداد بحزمة اتفاقات اقتصادية وسياسية وأمنية قدمتها واشنطن، وقد يجد نفسه مضطراً لاستثمار ذلك من أجل خوض مستوى من المواجهة الإجبارية مع الفصائل المسلحة، التي تنشط خصوصاً في جنوب البلاد، وتسيطر على جزء من موارد التجارة، وتتمادى مؤخراً في ممارسة العنف لتحييد خصومها.