أزمة فيروس كورونا تفرض الانتقال إلى التعليم الرقمي الإلكتروني

الاكتفاء بالتعليم عن بُعد هدر للموارد... وبقاء الأطفال في المنازل خلال الدراسة يشكل معضلة للأهل
دراسة أعدها د. زياد نجم عن استمرارية التعليم النظامي في ظل الجائحة
• المؤسسات استغلت أدوات اتصال حديثة لتحويل التعليم إلى إلكتروني دون أي تغيير في العملية ذاتها
• هدف الدراسة خدمة «التربية» والمجتمع المدني والمؤسسات المعنية بالشأن التعليمي النظامي والمساند
• أولوية أي حكومة في ظل الجائحة الموازنة بين حماية الأفراد صحياً والإبقاء على حد معين من عجلة الاقتصاد

نشر في 23-08-2020
آخر تحديث 23-08-2020 | 00:04
أكد المدير التنفيذي لأكاديمية التقدم العلمي عضو هيئة تدريس جامعة الكويت السابق د. زياد نجم، أنه أصبح لزاما على جميع الأنظمة التعليمية أن تبدأ تنفيذ خطوات عملية للانتقال بالعملية التعليمية إلى تعليم رقمي إلكتروني، غير مكتفية بالانتقال للتعليم عن بُعد، لما في ذلك من هدر للموارد يتمثل في الاقتصار على تحقيق حد أدنى من التعليم رغم إمكانية تحقيق مستوى أعلى بكثير، إذا استُخدِمت الأدوات نفسها بطرق أمثل.

وقال نجم، في دراسة أعدها لوضع إطار عام لضمان استمرارية التعليم النظامي في الكويت في ظل التحديات غير المسبوقة التي تواجهها منظومة التعليم من جراء تبعات جائحة «كورونا» والإجراءات الصحية التي تلتها، إن معظم جهود المؤسسات التعليمية العاملة في الكويت (الحكومية منها خاصة) انصبت على استغلال ما توفر من أدوات اتصال إلكترونية لتحويل العملية التعليمية من تعليم عن قرب إلى «عن بعد»، مع الإبقاء قدر المستطاع على العملية دون أي تغيير، مبينا أن هذا التوجه، وإن كان مقبولاً في الأسابيع القليلة التي تلت الجائحة، فإنه لم يعد مقبولاً في ظل الدلائل المتوفرة بأن الجائحة ستستمر شهوراً عديدة.

وتابع أن الهدف الأساسي من هذه الوثيقة هو الإجابة عن سؤال: «كيف يمكن الاستمرار في تقديم تعليم نظامي خلال الجائحة؟»، معقباً: «لا جدال في أن اهتمام أية حكومة في ظل الجائحة هي الموازنة بين أولويتين أساسيتين: حماية الأفراد صحياً، والإبقاء على حركة عجلة الاقتصاد إلى حد يكفل سبل العيش للجميع».

وفيما يلي نص الدراسة بشأن استمرارية التعليم النظامي في ظل الجائحة:

إننا بصدد تغيير في عنصر أساسي من العملية التعليمية، وهو ما سيؤثر على المنظومة التعليمية بأكملها، وذلك للترابط الوثيق بين المكونات والأطراف ذات العلاقة كما سأبين لاحقاً. وهذا التغيير المطلوب لا يحتمل التأجيل كون الضرر الناتج عن انقطاع جديد في تعلم النشء يفوق بمراحل أية هفوات أو أضرار جانبية ومرحلية لم نتمكن من تلافيها. وعليه، يجب الانطلاق فوراً في عملية التغيير مع مراجعة دورية لكل الخطوات المتخذة وتعديلها إن لزم الأمر.

• ماذا نغير؟ وعلامَ نبقي؟

أحد الأسئلة العديدة التي يجب الإجابة عنها قبل وضع خطة الانتقال هو ماذا سنغير؟ فوزارة التربية مثلاً كانت قد قررت مؤخراً إنهاء مشروع مناهج (كفايات)، وإعادة تصميم المناهج والكتب المدرسية، فهل نستمر في هذه الخطة أم نوقفها؟ أين الخط الفاصل بين ما يجب تغييره وبين ما يمكن الإبقاء عليه؟

إن خطورة الوضع الحالي تستوجب أن تكون الأولوية هي ضمان استمرار التعليم مهما تطلب الأمر. فمع احتمالية استمرار مرحلة «كوفيد ــــ 19» شهورا عديدة، لا يمكن أن تستمر الضبابية وعدم اتخاذ القرار في الشأن التعليمي. والأولوية القصوى هي لعملية الانتقال أساساً، وغض النظر عن أي تغيير آخر.

لكن، كما سأوضح لاحقاً، هناك الكثير من الأمور الإجرائية التي يجب تغييرها أو التخلي عنها كلياً؛ إما لاختفاء مسبباتها بسبب الانتقال إلى التعليم عن بُعد، أو لتحقيق الاستفادة القصوى من الأدوات المستخدمة.

الخواص الجوهرية والعارضة

لكل شيء خواص تميزه عن سواه. ويمكن تصنيف الخواص إلى قسمين: الأول هو ما يعرف بالخواص الجوهرية (أو الخواص الأساسية) وهي مجموعة الخواص اللازم توفرها في الشيء وإلا فقد كينونته. وما عدا ذلك تكون خواص عارضة (أو ظرفية)، ولا يشترط وجودها مهما كانت شائعة.

ومن الضروري أن ننتبه إلى هذه النقطة عند مراجعتنا لكل خطوة من خطوات العملية التعليمية سواء عند الانتقال إلى التعليم عن بعد أو الانتقال إلى التعليم الإلكتروني. فالكثير من مواصفات العملية التعليمية النمطية هي خواص عارضة وغير مرتبطة بكينونة العملية التعليمية، بل مرتبطة بالظروف المحيطة بها، وكيفية تطورها عبر التاريخ، ولا تتأثر العملية التعليمية إن قمنا بتغييرها أو حتى إلغائها.

السياسات والإجراءات

جرت العادة على استخدام مصطلحي السياسات والإجراءات معاً إلى درجة أنه يصعب التفريق بينهما أو توضيح ما يربطهما ببعضهما. فالهدف من السياسات هو تحديد مجموعة المبادئ التي تستند عليها المنظومة لاتخاذ قراراتها بما يخدم أهدافها. أما الإجراءات فهي الخطوات المحددة التي تنظم العمليات اليومية للمنظومة، والتي تضمن تطبيق سياساتها بسرعة وسلاسة.

ومن الضروري مراجعة جميع الإجراءات القائمة. فالإجراءات مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بأسلوب العمل وبيئته. والانتقال من التعليم النمطي إلى الإلكتروني يمثل تغييراً في بيئة العمل يترتب عليه ضرورة مراجعة بعض الإجراءات المتبعة حالياً، والتي قد تتناقض أو على الأقل تبطل الحاجة لها في ظل بيئة العمل الجديدة.

الانتقال إلى التعليم الإلكتروني

من المفيد أن أشير هنا إلى أن الكثير من المؤسسات التعليمية قد واجهت جائحة «كوفيد ــــ 19» بتحويل التعليم النمطي إلى التعليم عن بعد، حيث تم الاستعاضة عن ضرورة الوجود عن قرب باستخدام أدوات الاتصالات لتيسير عملية التعليم عن بعد.

وقد حاولت هذه المؤسسات الإبقاء على بقية عناصر العملية التعليمية دون أي تغيير. ولعل من أهم هذه العناصر هو التعليم المتزامن حيث استخدمت هذه المؤسسات أدوات التواصل المرئية (فيديو كونفرنس) لنقل حصصها من المدرسة إلى المنزل دون تغيير أي من العناصر الأخرى مثل اشتراط التزامن، أو طريقة التعليم أو إدارة الحصة، أو حتى أي من الإجراءات المصاحبة مثل تسجيل الغياب، وطريقة متابعة تحصيل المتعلم، إلخ.

إن هذا الحل، وإن كان أكثر الحلول جاهزية للتفعيل؛ مما قلل من أضرار التوقف القصري للعملية التعليمية جراء الهجوم المفاجئ للفيروس والتبعات المتسارعة التي تلت انتشاره، إلا أنه يبقي حلا قاصرا، لأنه يجمع الأسوأ فيما يقدمه التعليم النمطي والتعليم الإلكتروني.

فأدوات التواصل مهما تقدمت وتعقدت لا توازي أدوات التواصل البشرية عن قرب. أي أن هناك جزءاً مفقوداً من قدراتنا على التواصل عند الانتقال من تواصل بشري عن قرب إلى تواصل إلكتروني عن بعد.

ومن جانب آخر، فإن الإبقاء على بقية عناصر العملية التعليمية دون تغيير (وأهمها عنصر التعليم المتزامن) أدى إلى إهمال ما كان من الممكن أن تقدمه الوسائل الإلكترونية.

ولهذا أشدد على ضرورة عدم الاكتفاء بالانتقال الحاصل حاليا، وإنما الاستمرار في مراجعة العملية التعليمية وتحديثها لرفع مستوى كفاءة ما يتم استغلاله من أدوات التعليم الإلكتروني، لما في ذلك من فوائد مباشرة (من بينها ضمان الحد المتوقع من التعليم للجميع) وأخرى غير مباشرة (ومنها التمهيد للانتقال إلى التعليم الرقمي).

المكونات

سأتناول في هذا الجزء وصفا سريعا لمكونات العملية التعليمية في الكويت، وسأقتصر الحديث على المكونات الأكثر أهمية أو تأثرا عند الانتقال إلى التعليم عن بعد.

• نظام التعليم العام في الكويت

سأركز في هذا الشأن على خصوصيتين فقط: أولاهما: مركزية النظام التعليمي في الكويت؛ يمكننا الاستفادة من هذه الخاصية خلال الانتقال. ففي الكويت، كل ما يحدث في مدرسة حكومية ما يتطابق مع ما يحدث في المدارس الحكومية الأخرى. والكل يعمل بنفس المنهجية، ونفس الكتاب، ونفس الخطة، وبنفس أسلوب الحصة إلى حد كبير.

ولعل الفروقات الطفيفة لا تظهر بوضوح إلا أثناء التواصل بين المعلم وطلابه، وليس أثناء شرح المادة التعليمية أو تلقينها.

والخصوصية الثانية: طريقة عمل وزارة التربية، فكمراقب خارجي يبدو لي اهتمامها بتنفيذ الإجراءات المرتبطة بالعملية التعليمية بدرجة أكبر من مراجعة تلك الإجراءات أو تحديثها. (وربما كان هذا هو الدافع لإنشاء المركز الوطني لتطوير التعليم كجهة معنية بالسياسات التعليمية).

ولتحقيق الاستفادة القصوى من مركزية النظام القائم بإنجاح عملية الانتقال، يلزم التوجه نحو مركزية إنتاج المادة التعليمية بدلاً من إضاعة الموارد بالطلب من مئات المعلمين إنتاج نفس المادة التعليمية مرارا وتكرارا.

وفيما يتعلق بالإجراءات وطرق إدارة اليوم المدرسي والحصة التدريسية، فأرى من المفيد أن ترخي الوزارة من مركزيتها لتسمح للمدارس والمعلمين بتجربة طرق مختلفة لإدارة العملية التعليمية (في حدود ما يتم الاتفاق عليه). فحقيقة الأمر أن كل ما نحاول تحقيقه هو أمر جديد، ولا توجد تجارب سابقة للقياس عليها. ومن المفيد إتاحة المجال للتجربة طالما كانت لدينا أدوات قياس مناسبة نستطيع بها قياس مدى نجاح كل تجربة في تحقيق أهدافها.

أما بالنسبة للتركيز على الإجراءات بدلا من الأهداف والسياسات، فهذه نقطة تحدٍّ، وعلى صاحب القرار الانتباه إليها بصورة مستمرة للتأكد من عدم إضاعة الوقت والموارد في نقل خطوات إجرائية ستصبح هامشية بعد الانتقال إلى التعليم الإلكتروني.

التدرج لليوم المدرسي «الإلكتروني»
قال نجم إن البعض يرى أن ما تم وصفه في الجزء السابق هو ضربٌ من الخيال ويصعب تحقيقه، وقد يكونون على صواب، ولكن لا خيار أمامنا سوى أن نعمل في سبيل تحقيقه، مشيرا إلى أن البديل الذي اعتدنا عليه غير ممكن، والتعليم عن بعد بالاعتماد على الفيديو «كونفرنس» ما هو إلا محاكاة (سيئة في رأيي الشخصي) للتعليم ليس إلا.

وتابع نجم: وإذا كنا غير راضين عن مخرجات التعليم النمطي أساسا، فماذا سينتج عن تعليم نمطي تم توصيله من بعد؟

وأردف: الحل في رأيي هو التدرج... ففي حصص الأيام الأولى يمكن للمعلم القيام بنفس الخطوات التي يتوقع من طلبته القيام بها؛ مثل: استخدام برنامج التعلم الإلكتروني، ومعاينة خطة الحصة، وتناول المادة التعليمية المعروضة، وهكذا.

وزاد: في الحصص التالية يمكن للمعلم أن يبدأ بتكليف الطلبة بالقيام بهذه الخطوات بمفردهم، ومن ثم العودة إلى برنامج التواصل ومناقشة ما فعلوه، مردفا: ويستمر المعلم في التدرج والانسحاب تدريجيا إلى حين تأقلم الطلبة مع طريقة التعليم الجديدة، والقيام بها بأنفسهم. ويتفرغ المعلم حينئذ لمتابعة الطلبة في مجموعات أصغر أو حتى بصورة فردية.

المنهج التدريسي

يجب إجراء مراجعة للمنهج الدراسي خلال عملية الانتقال؛ ليس بهدف تحديثه، بل بهدف مواءمته للتعليم عن بعد من جهة وتسهيل تطبيقه خلال السنوات الأولى من جهة أخرى. فمن المستبعد أن يتمكن المعلمون من تغطية المنهج الدراسي بأكمله خلال العام الدراسي المقبل. وعليه، فيجب التركيز منذ البداية على تعليم الضروري في المواد وحذف الباقي. ولعل ما قامت به الوزارة خلال أشهر انقطاع الدراسة القصري دلل على وجود الكثير من الحشو الذي يمكن الاستغناء عنه دون إحداث خلل منهجي.

أما فيما يتعلق بالمواءمة، فيمكن تصنيف المهارات التي يتضمنها أي منهج تعليمي إلى مجموعتين: المجموعة الأولى تشمل المهارات التعليمية التي تتطلب تعليما عن قرب ومتزامنا ويصعب تعليمها بغير ذلك.

والمجموعة الثانية تتضمن المهارات الملائمة للتعلم غير المتزامن. فيجب إعادة النظر بجدولة الخطة التعليمية بحيث يتم استغلال فترات الانفتاح لتغطية ما تمكن من مهارات المجموعة الأولى والتركيز على مهارات المجموعة الثانية خلال فترات التباعد.

التقييم والقياس

فيما يخص موضوع الدرجات والاختبارات، فلا بد هنا من التذكير بأن الهدف الأساسي من التقييم ليس المفاضلة بين المتعلمين، بل قياس مدى كفاءة المنظومة التعليمية في أداء مهمتها.

حتى عند تحليلنا لأداء الطالب، فالهدف من ذلك هو إشعار المتعلم بنتيجة جهده وتحصيله ودرجة تأهله للتقدم إلى المرحلة التالية، لذلك، فلا ضير من الاعتماد على وسائل غير اعتيادية لإجراء عملية التقييم، على أن تتضمن ما يلي:

• تزويد القائمين على المنظومة التعليمية بالقدرة على قياس أداء العملية التعليمية في ظل انتقالها إلى تعليم عن بعد. فالأولوية في مرحلة الانتقال هي هذا النوع من القياس.

• ضمان اكتساب المتعلم الحد الأدنى من المهارات التي يحتاجها في المراحل التالية.

توفر أدوات التعليم الإلكتروني الكثير من أدوات القياس، والتي قد يتحمس البعض لاستخدامها. ونصيحتي هي استخدام الأدوات التي تفيدنا في تحقيق الأهداف الرئيسية من القياس، وعدم الانشغال بأي من أدوات القياس السطحية (الحضور/الغياب، عدد مرات الزيارة، عدد الدقائق التي استخدم بها المنصة، إلخ). فهذه لا تصلح إلا كنوع من المفاضلة المصطنعة بين المتعلمين، ولا تخبرنا بأي شيء متعلق بمدى نجاح العملية التعليمية أو اكتساب المتعلم المهارات المطلوبة.

كذلك لا أنصح باستخدام أدوات القياس لإجراء أي نوع من المفاضلة بين المتعلمين نظرا لعدم دقتها للقياس عن بعد، ولأن العام الدراسي القادم يشكل مرحلة انتقالية سيشوبها الكثير من الشوائب التي يمكن أن تؤثر على دقة أدوات القياس.

الأطراف ذات العلاقة

إن المنظومة التعليمية، حالها حال معظم المنظومات المجتمعية، منظومة متشابكة الأطراف. ولعل ما يميزها أن جميع أفراد المجتمع مرتبطون بها بطريقة أو بأخرى.

ولكن رغم أن طبيعة عمل وزارة التربية في السابق لم تعتد إشراك هذه الأطراف بصورة جدية في صنع القرار، ومع ضيق عامل الوقت الآن، لضرورة اتخاذ قرارات استراتيجية سريعة، فمن الضروري إعلام جميع الأطراف بالملامح العامة للخطة حال توفرها، وإن لم تكن بصورتها النهائية أو بهدف مشاركتهم في اتخاذ القرار. فالحياة النمطية للمجتمع مبنية حول العام الدراسي وجدول عمله اليومي، وأي تغيير فيه سيترتب علية تغييرات ليست بسهلة على بقية المنظومات المجتمعية.

فعلى سبيل المثال، بقاء الأطفال في المنازل خلال الدراسة يشكل معضلة لكثير من أولياء الأمور العاملين. وعليه، فمن الضروري إبلاغهم بما تنوي الوزارة عمله كي تستطيع كل أسرة الأخذ بزمام أمورها والتوصل إلى حلول بدلاً من مفاجأتهم في آخر لحظة وتركهم لمواجهة الأمر الواقع.

المتعلم

المتعلم هو محور أي عملية تعليمية لأنه المستفيد المباشر من العملية برمتها. ومن الضروري فهم تأثير الانتقال إلى التعليم عن بعد «أو غير متزامن» على المتعلم واتخاذ الخطوات اللازمة لتحضيره لدوره الجديد. فأسرد هنا بعض النقاط المتعلقة بهذا الأمر:

• الانطباع الدارج هو أن المتعلم يلعب دور المتلقي في نظام تعليم مبني على التلقين. والانتقال إلى التعليم الإلكتروني يتطلب أن يقوم المتعلم بلعب دور المبادر.

• يمثل الجدول المدرسي دوراً أساسياً في تنظيم اليوم الدراسي للمتعلم النمطي. والانتقال إلى التعليم غير المتزامن يتطلب أن يأخذ المتعلم زمام المبادرة في تنظيم وقته بين مواده المختلفة.

• وجود المتعلم النمطي في المدرسة يعزله عما قد يشتت انتباهه. والتعليم عن بعد «وخصوصاً في حال الوجود في المنزل» سيشكل تحدياً جدياً للكثير من المتعلمين للحفاظ على تركيزهم وعدم تشتتهم بأمور أكثر إغراء. وخصوصاً مع ارتكاز التعليم عن بعد على الأجهزة نفسها التي يستخدمها متعلم هذا الزمان معظم وقته؛ سواء للتواصل مع أقرانه أو للتسلية.

فيستوجب التعليم الإلكتروني أن يكون المتعلم هو المبادر، والمنظم لوقته، والقادر على التركيز فيما يتعلمه، وأن يتجاهل الملهيات من حوله. وهناك العديد من الأمور التي يمكننا القيام بها لمساعدة المتعلم على اكتساب هذه العادات الجديدة سريعاً وضمان نجاحه في التعليم عن بعد؛ مثل:

• تجزئة المادة التعليمية إلى جزيئات مختصرة تتيح للمتعلم إنجازها في وقت قصير نسبيا مقارنة بالحصة النمطية. وليس المقصود هنا هو اجتزاء المادة التعليمية أو تسطيحها، وإنما تقسيمها إلى جزيئات أصغر من تلك المعتاد تداولها في الكتب المدرسية. فسيتيح هذا التحول استفادة أمثل من التعليم الإلكتروني، وسيمكن المتعلم من إنجاز خطوات تعليمية «ولو كانت صغيرة» دون شعوره بالملل.

وسيتيح للمعلم التنويع بين الأدوات التعليمية المختلفة لجذب انتباه المتعلم ومساعدته على التركيز.

• يمكن التعليم غير المتزامن كل متعلم من أن يأخذ وقته اللازم لاكتساب المعلومات والمهارات المطلوبة، وهذا شيء مستحب، إذ يسمح للمتعلم أن يجتهد للوصول إلى درجة المهارة التي يصبو إليها. ومن الضروري أن يسمح نظام التعليم الجديد بذلك.

• استمرارية التواصل بين المعلم والمتعلم، واستخدام أدوات المتابعة الإلكترونية للتأكد من تقدم المتعلم مهما طالت مدة اكتسابه للمهارات، مادام التقدم ملحوظاً.

وهذا يستدعي التقليل من اللقاءات الجماعية المتزامنة، والاعتماد أكثر على اللقاءات الفردية أو في مجموعات أصغر من المعتاد في التعليم النمطي لتمكين المعلم من متابعة المتعلمين بشكل فردي ومباشر.

التلاميذ دون العاشرة

يشكل التلاميذ الأطفال تحدياً حقيقياً لمتخذي القرارات. فمن الصعب تخيل كيف يمكن تدريس هذه الفئة عن بعد وهم لم يعتادوا بعد على النظام المدرسي، ولم يكتسبوا مهارات القراءة والكتابة بشكل مستقل.

واتجهت العديد من الدول إلى استثناء الأطفال ما دون سن العاشرة من أي نظام تعليم عن بعد أو إلكتروني، والاستعاضة عنه إما بالإبقاء على التعليم النمطي بشروط صحية صارمة، أو باختصار الفترة إلى يوم أو يومين في الأسبوع، أو بتحفيزهم على التعلم «وليس التعليم» المنزلي من خلال قنوات تلفزيونية، أو بمزيج من كل ما سبق.

ويمكن للكويت أن تستخدم أياً من هذه الحلول. لكن في حال الأخذ بالتعلم المنزلي، فمن المهم أن تتابع الوزارة متابعة مستمرة مع أسرة الطفل للتأكد من اكتساب الطفل الحد الأدنى من المهارات للانتقال إلى المرحلة التالية، وتعود الطفل على التعامل مع مدرسيه وأقرانه «من خارج أسرته».

المنزل

من الضروري فهم الدور الجديد الذي يقوم به المنزل لإنجاح العملية التعليمية سواء عن بعد أو غير المتزامنة. فلم يعد دور المنزل قاصراً فقط على ضمان وجود التلميذ في المدرسة صباحاً وإتمامه واجباته واستعداداته مساء، بل أصبح جزءاً أساسياً من العملية التعليمية.

وهذا يستوجب أمرين: الأول هو الأخذ بعين الاعتبار إمكانات المنزل وظروفه ومعوقاته عند اتخاذ أي قرار من القرارات، أما الثاني فهو ضمان فهمه لدوره الجديد وإمداده بكل المعلومات والخطط في فترة كافية للتكيف وفقها.

فالمنزل يقوم بدورين أساسين جديدين في العملية التعليمية عن بعد؛ هما:

• مزود للبنية التحتية: المنزل في التعليم عن بعد هو الجهة المسؤولة عن توفير جزء أساسي من البنية التحتية للعملية التعليمية؛ مكان هادئ، وتأثيث مناسب، وأجهزة كافية وملائمة، واتصال بالإنترنت يفي بالمتطلبات التقنية التي يستوجبها الحل الذي ستتبعه الوزارة.

• مرشد للعملية التعليمية وميسر لها؛ حيث سيقوم المنزل بأدوار يصعب قيام المعلم بها عن بعد، وخصوصاً بالنسبة للمراحل الدراسية المبكرة.

وقد يكون التحدي الأكبر بالنسبة للدولة هو كيفية تحقيق المساواة والإنصاف بين الطلبة مع وجود فروقات في القدرة المالية والمستوى التعليمي والمعيشي لأسرهم.

صحيح أن دولة الكويت حققت نجاحاً باهراً في هذا المجال منذ بداية التعليم النظامي عبر تعميم التعليم النظامي المركزي، والأخذ على عاتقها رعاية النشء على مسطرة واحدة، بتوفير الكتب والأدوات والزي الرسمي مجاناً، وتقديم وجبة أو وجبتين يومياً. لكنه قد يكون من الصعوبة تحقيق مثل هذه المساواة للمتعلمين عن بعد.

فالفروقات بين الأسر كبيرة سواء من حيث عدد الأطفال المنخرطين في التعليم العام، أو قدرة الأسرة على توفير البنية التحتية المطلوبة، أو قدرة الأسرة على القيام بأدوارها الجديدة في التعليم، إلخ.

المساواة والإنصاف

ويتأتى الحل لهذه المعضلة بالنظر إليها من منظور مغاير. فمن الممكن تحقيق المساواة والإنصاف بالعمل على عدة اتجاهات؛ هي:

• تقليل المتطلبات التقنية إلى الحد الأدنى الممكن، من خلال تقليل الاعتماد على التعليم المتزامن «وخصوصاً ذلك المعتمد على تقنية الفيديو»، مما يمكن استخدام نفس الجهاز لخدمة أكثر من تلميذ، والاعتماد على التحميل المسبق للمادة التعليمية للدراسة دون الربط بالشبكة.

• توفير قاعات مدرسية مجهزة تجهيزاً تقنياً مناسباً في جميع المناطق بحيث يمكن للطلبة الراغبين استخدامها «بشرط عدم تجاوز المتطلبات الصحية». ويمكن استخدام القاعات نفسها لتوفير حلول للتلاميذ الذين يعانون من صعوبات تعليمية أو ذهنية ويحتاجون إلى متابعة من الصعب توفرها في كل منزل.

• تأهيل برامج خيرية ومجتمعية لتوزيع أجهزة على مستحقيها.

• العمل من خلال الهيئة العامة للاتصالات لضمان توفير سعة مجانية للوصول إلى المواقع التعليمية المستخدمة.

• تشجيع وتنظيم منظمات المجتمع المدني والمبادرين لتوفير خدمات مساعدة تقنية في المناطق لمساعدة الأهالي على حل مشاكلهم التقنية سريعا، ودون الاعتماد على نقطة مركزية لتوفير مثل هذه الخدمة.

المعلم والموجه الفني

ربما يكون التحدي الأكبر في عملية الانتقال هو ذاك الملقى على عاتق المعلمين، كونهم يشكلون الصفوف الأمامية في العملية التعليمية، ولا أعتقد أنهم تلقوا أي نوع من التدريب عن كيفية التعليم عن بعد. ولا أقصد هنا التدريب على استخدام برامج التواصل، وإنما التدريب على طرق التدريس وإدارة الحصة عن بعد. بالإضافة إلى ذلك، هناك تحديات تقنية؛ إذ سيتوقع الطلاب من معلميهم حل كل مشاكلهم التقنية. وهناك مشاكل قد تنتج عن غياب الانضباط (خاصة كون الطلبة في منازلهم مع اختفاء أدوات الانضباط المدرسي المعتادة)، سواء كان عدم الانضباط مقصودا بهدف تعطيل الحصة، أو غير مقصود، مثل محاولة الطلبة التعويض (أثناء الحصة) عن النقص في التفاعل الاجتماعي مع أقرانهم.

كل هذا يدفعني إلى التشديد على ضرورة العمل على تقليل الاعتماد على التعليم عن بعد المتزامن، والانتقال التدريجي إلى التعليم غير المتزامن، حيث سيقلل هذا من التأثير السلبي «لضياع» وقت الحصة، وسيمكن المعلم من تركيز وقته على متابعة طلبته بدلا من تخصيص معظم وقته للشرح. ومن المهم هنا الإشارة إلى أن معظم المعلمين هم أيضا أولياء أمور لمتعلمين، ومن الطبيعي أن يقوموا بالدورين في الوقت نفسه. لذا، فمن الضروري أن يتيح لهم السيناريو المعتمد لليوم الدراسي القيام بالوظيفتين بالتوازي.

ويمكن للتوجيه الفني أن يلعب دورا مهما في عملية الانتقال، باعتباره جزءا من العملية التعليمية (كما سنبين لاحقا)، فيتيح وقتا أطول للمعلم للتواصل مع طلبته. ولعل هذا هو أحد فوائد مركزية النظام التعليمي في الكويت، والبناء عليه بشكل إيجابي في هذه المرحلة الحرجة.

مبادئ أساسية

لا بد من الاتفاق على مجموعة من المبادئ الأساسية للتوصل إلى خطة عمل مشتركة تحقق المطلوب. وأستعرض هنا الحد الأدنى من هذه المبادئ:

• تتطلب المرحلة الآن تضافر جهود الجميع لإنجاح الانتقال بالتعليم النمطي إلى تعليم عن بعد، ومن ثم إلى تعليم إلكتروني. فلا مجال ولا فائدة من استمرار الجدل القائم بين أيهما له الأفضلية: التعليم عن قرب أم عن بعد؟ فالبديل النمطي لم يعد ممكنا الآن، وليس هناك بارقة أمل في عودته قريبا، ولا يمكن الاستمرار في تعطيل مسيرة الطلاب التعليمية والتعويل على تحسن الظروف وعودة الأمور لوضعها الطبيعي، خلال أيام أو أسابيع قليلة.

هناك مبدأ أساسي في علم تخطيط السياسات: «توقَّع الأفضل؛ خطِّطْ للأسوأ؛ وتجهَّزْ للمفاجآت». ولا نرى أي مجال هنا لتأخير البدء في التحول إلى التعليم الإلكتروني، فحتى بعد اختفاء الجائحة (والتي نتمنى قرب انفراجها) يمكن للمؤسسات التعليمية الاستفادة من استخدام نفس الأدوات المستخدمة في التعليم الإلكتروني لتطوير العملية التعليمية والانتقال بها إلى القرن الواحد والعشرين.

• لا بد من مراجعة جميع المواصفات، التي ارتكزت عليها العملية التعليمية النمطية. فالعديد من الفرضيات الأساسية التي استُند إليها أثناء تطوير هذا النظام التعليمي لم تعد بالضرورة قائمة في نظام تعليمي قائم على التعليم عن بعد، أو التعليم الرقمي، أو التعليم غير المتزامن.

• تتطلب بعض العمليات التعليمية مجهوداً أكبر بكثير خلال التعليم عن بعد، مقارنة بالتعليم عن قرب.

وفي نفس الوقت يوفر التعليم عن بعد جهدا ملحوظا في نواح أخرى. وعليه، فلا بد من تصميم عملية الانتقال بين النظامين للاستفادة من هذا التغيير وإعادة التوازن بين العمليات المختلفة والموارد المتاحة.

زياد نجم في سطور
• حاصل على درجة البكالوريوس في الهندسة الكهربائية (جامعة الكويت، 1986) ودرجة الماجستير (1988) والدكتوراه (1994) في علوم الكمبيوتر / ذكاء اصطناعي من جامعة إلينوي في إربانا-شامبين.

• عمل باحثا في معهد الكويت للأبحاث العلمية بين عامي 1986 و1999 ومن ثم انتقل إلى جامعة الكويت حيث عمل أستاذا في علوم الكمبيوتر حتى 2017. شغل منصب مدير برنامج تعليم العلوم والرياضيات في مؤسسة الكويت للتقدم العلمي كما عمل في اللجنة العليا لبرنامج المؤسسة لتعليم اللاجئين السوريين. يشغل الدكتور نجم حاليا منصب نائب رئيس مجلس الإدارة والمدير التنفيذي لأكاديمية التقدم العلمي - أحد مراكز المؤسسة المستقلة العاملة في مجال التعليم الرقمي والإلكتروني.

• شغل منصب مساعد نائب مدير الجامعة - مدير مركز نظم المعلومات في جامعة الكويت كما خدم كعضو في اللجنة العليا للحكومة الإلكترونية.

• عمل مستشارا مؤسسا أثناء إنشاء المركز الإقليمي لتطوير البرامج التعليمية. شارك في تأليف والإشراف على إدخال مادة المعلوماتية إلى المدارس الحكومية – المرحلة المتوسطة.

الأولويات

لا بد من تحديد الأولويات قبل البدء بعملية التغيير، فمن المتوقع أن تجابهنا الكثير من الخطوات المتضاربة، وفي هذه الحالة تكون الأولويات هي الفيصل في تقرير أي الخطوات نتخذ. وبالنسبة إلي، فإن أولوياتنا هي الآتية:

• لا بد من استمرار التعليم بأي طريقة كانت. وأنا أقصد هنا التعليم، لا العملية التعليمية بكل أدواتها ووظائفها. فالأولوية الأولى يجب أن تكون للتعليم حصرا.

• ضمان المساواة والإنصاف لكافة الطلبة. وهذا مثلا سيستدعي المفاضلة بين الحلول التكنولوجية المتوافرة واختيار ما هو متاح للجميع، لا لفئة دون أخرى.

• ضمان أن العملية التعليمية لا تشكل عبئا على النظام الاقتصادي أو النظام الصحي العام (بالإضافة إلى الصحة النفسية لكل الأطراف).

الإطار العام للحل المقترح

تقوم وزارة التربية بضمان استمرار العملية التعليمية من خلال محورين رئيسيين:

• للصفوف من الرابع ابتدائي وما يليها: يتم التحول إلى نظام تعليم عن بعد، والانتقال تدريجيا إلى تعليم إلكتروني. مع القيام بالآتي:

- ضمان قدرة الجميع على التعلم، وتحقيق الحد الأدنى من المساواة والإنصاف، عبر تجهيز أماكن دراسية في جميع المناطق، مع توفير معلمين ومشرفين فيها. ويمكن استخدام مباني المدارس لهذا الغرض خلال فترة الانغلاق. ويمكن للمتعلم استخدام هذه الأماكن بصورة مؤقتة أو دائمة، لتجاوز أي عقبات تقنية أو تعليمية أو اجتماعية.

- ينتقل التعليم إلى تعليم عن قرب في أي فترة تسمح فيها السلطات الصحية بذلك، مع استمرار استخدام الأدوات الرقمية والإلكترونية بأقصى حد ممكن. ويتم في هذه المرحلة تغطية المهارات التي تم تأجيلها، كونها لا تصلح في التعليم عن بعد.

• من رياض الأطفال وحتى مرحلة الصف الثالث ابتدائي: يتم الاعتماد على وسائل البث المباشر والبث المسجل لإيصال المادة التعليمية، مع القيام بالآتي:

- نشر مواد تعليمية على شكل أوراق عمل وبرامج تعليمية، وربطها بصورة مباشرة بما يتم بثه أسبوعياً.

- نشر مواد إرشادية مرتبطة بالدروس الأسبوعية، لمساعدة أولياء الأمور في متابعة أداء أطفالهم بأنفسهم وبصورة مستمرة.

- وضع جدول أسبوعي لتواصل أولياء الأمور بالمعلمين (بصورة فردية أو مجموعات صغيرة).

- جدولة قضاء يوم في المدرسة (بأعداد صغيرة وفترات متباعدة)، يتم خلالها ممارسة بعض المهارات التي تستوجب التعليم عن قرب، والتعود على أنظمة المدرسة النظامية، والتحدث مع أشخاص من خارج أسرة الطفل، والتواصل مع أقرانهم.

المادة التعليمية

يقوم التوجيه الفني بالخطوات الآتية:

• تحديد المواضيع والمهارات التي ستدرس. وكما أشرنا سابقاً فمن الأفضل ألا تزيد النسبة على 70 في المئة من المادة الحالية. وفي حال تمكنا من إنجاز هذه النسبة في السنة الأولى، فيمكننا رفعها مستقبلا.

• تحديد المواضيع والمهارات التي لابد أن تدرس عن قرب، وتلك التي يمكن تناولها عن بعد.

• بالنسبة إلى ما سيتم تدريسه عن بعد، يقوم التوجيه الفني بتحليل حصة نموذجية لكل موضوع أو مهارة. والهدف من هذا التحليل هو تجزئة ما يدور في الحصة إلى جزيئات صغيرة «لقيمات»، ومن ثم تصنيف كل جزيئة إلى ماهيتها: شرح، تدريب، نقاش، إلخ.

• يقوم التوجيه الفني بتجهيز المادة التعليمية لكل جزيئة سواء على شكل فيديو، نص، ورقة عمل، وهكذا.

ويفضل ألا يزيد الوقت المخصص لكل جزيئة على 5 دقائق، لضمان عدم شرود ذهن المتعلم. وسيضمن هذا سهولة إعادة إنتاج المادة في حال مراجعتها. وسيتيح قصرها وتخصصها في جزيئة محددة إعادة استخدامها في مواضع عدة.

• يقوم الفريق التقني برفع المادة التعليمية إلى الموقع المخصص أسبوعيا. ويفضل أن يتم الانتهاء من إنتاج المادة التعليمية قبل 3 أسابيع على الأقل من موعد استخدامها، ليتمكن بقية الموجهين والمدرسين الأوائل من مراجعتها والتأكد من فعاليتها، وتصويبها إن تطلب الأمر.

المصطلحات ... ومدلولات استخدامها

أكد نجم أن هذه الدراسة لم تعد كورقة بحثية أو أكاديمية، لكننا بحاجة إلى عرض بعض المصطلحات لضمان اتفاق مدلول استخدامها بين الكاتب والقارئ، وخصوصا أن العديد من هذه المصطلحات تستخدم في الكثير من الأحيان كمرادفات برغم وجود فروق بينها.

التعلم: فعلٌ يمارسه الشخص بذاته يقصد من ورائه اكتساب معارف ومهارات جديدة.

التعليم (أو التدريس): عمليةٌ تهدف إلى تيسير التعلم، وعادة ما تتم عبر وسيط (المعلم).

العملية التعليمية / التعليم النظامي (الرسمي): التعليم النظامي (أو الرسمي) هو تنظيم لعملية التعليم من خلال نظام تراتبي مبني حول الطالب، والمعلم، والفصل، والمدرسة، والمشرفين. ويتم من خلاله تدريس مناهج محددة. وتستخدم فيه طرقٌ موحدة لقياس مدى تحصيل الطالب للمعلومات والمهارات التي تعلمها.

التعليم عن قرب / التعليم عن بعد: التعليم التقليدي (وسأستخدم مصطلح التعليم النمطي للدلالة عليه). هو تعليمٌ عن قرب كونه يتطلب تواجد المعلم والمتعلم في نفس المكان. وقد سمحت أدوات الاتصال الحديثة بتجاوز هذه الخاصية بحيث يمكن استخدام أدوات الاتصال للتعليم عن بعد سواء كانت أدوات بث (بريد، راديو، تلفزيون) أو أدوات تواصل (هاتف، انترنت، حلقات دردشة، مكالمات مرئية).

التعليم المتزامن / التعليم غير المتزامن: التعليم المتزامن يتطلب تواصل المعلم والمتعلم في نفس الوقت. أما التعليم غير المتزامن فلا يشترط ذلك حيث يمكن استخدام وسائل تواصل مثل المراسلة، البريد الإلكتروني، حلقات النقاش الإلكترونية، إلخ.

التعليم الرقمي: استخدام الأدوات الرقمية في عملية التعلم أو التعليم. فمن الممكن جدا استخدام أدوات التعليم الرقمي أثناء عملية التدريس النمطية سواء داخل الفصل أو خارجه. ويزداد دور التعليم الرقمي في حال الانتقال إلى التعليم عن بعد أو التعليم غير المتزامن.

التعليم النمطي: هو التعليم التقليدي المستخدم في المدارس والجامعات والذي يتطلب وجود المعلم والمتعلم في نفس المكان (عن قرب) والزمان (متزامن).

التعليم الإلكتروني: سأستخدم مصطلح (التعليم الإلكتروني) للدلالة حصرا على التعليم عن بعد وغير المتزامن.

مصير تعليم النشء على المحك ولا مجال للتهاون

أكد المدير التنفيذي لأكاديمية التقدم العلمي، أن ما نحن بصدده ليس بأمر هين، حيث ان النظم التعليمية هي بطبيعتها أنظمة معقدة ومتشابكة الأطراف والمكونات، ومصير تعليم النشء على المحك، مشددا على أنه لا مجال للخطأ، ولكن في الوقت نفسه، لا مجال للتهاون ولا للتسطيح والتعويل على أن الوباء سيزول سريعا من جهة، أو أن كل ما يتطلبه الحل هو ترخيص لاستخدام هذا البرنامج أو ذاك.

وأشار إلى أن الحل في رأيي هو الاتفاق على أن المخرج هو تقبل مبدأ ضرورة تغيير عمل المنظومة التعليمية خلال التحول من تعليم نمطي إلى إلكتروني. ولا أتحدث هنا، لا عن السياسات، ولا الأهداف، ولا المناهج، فالموضوع متعلقٌ بطريقة العمل وطريقة المتابعة والتقييم. وتابع: لا فائدة من التركيز على أمور إجرائية اختفت مسبباتها. فإذا ما استطعنا «فكفكة» نظام العمل المعقد إلى أهدافه الأساسية والفرضيات التي أدت إلى انتهائه بالطريقة التي نمارسها الآن، يمكننا عندئذ إعادة بناء ما نريد من هذه الإجراءات في ظل الفرضيات الجديدة التي تتطلبها البيئة الإلكترونية الجديدة.

وأردف أنه رب ضارة نافعةٌ، حيث يجب ألا ننسى أن التعليم الإلكتروني – عند تطبيقه بشكل صحيح – سينتج عنه متعلمٌ مستقل، مبادرٌ، قادرٌ على الفهم من مصادر التعلم، ولديه الدافع الذاتي لذلك. وكل هذه هي صفات حميدة يجب زرعها في الأجيال القادمة بغض النظر إن استمرت الجائحة أو اختفت. فهي الصفات التي تؤهل صاحبها للتعلم الذاتي والتعليم المستمر. وشدد على أن كل الدلائل تشير إلى أنها أصبحت مهارات أساسية مطلوبة في سوق عمل القرن الواحد والعشرين المتغير باستمرار.

وقال: إن كنا قد تهاونا في تحقيق ذلك من خلال التعليم النمطي التلقيني، ولم نستطع الفكاك منه، فلنجعل الوصول إلى هذا الهدف هو النتيجة الإيجابية لهذه الجائحة، فلكل محنة منحةٌ، ولتكن هذه منحتنا للنشء.

اليوم المدرسي الاعتيادي خلال التعليم «أونلاين»

وضع زياد نجم تصورا لما سيكون عليه اليوم المدرسي الاعتيادي خلال التعليم الإلكتروني، مشيرا إلى أنه سيكون هناك فترة تدرج لا بأس بها حتى يتأقلم كل من المعلمين والمتعلمين على حد سواء على الوضع الجديد.

وأوضح نجم 6 أمور في هذا التصور هي:

• اليوم المدرسي «الإلكتروني» أشبه باليوم المدرسي «المنزلي» منه إلى اليوم المدرسي النمطي. والهدف من الجدول المدرسي هو مساعدة المتعلم على تنظيم وقته، ولكن هذا لا يمنع أن يقوم المتعلم بتمضية وقت أقل في مادة ما (إذا ما انتهى مما هو مطلوب منه بسرعة) أو قضاء وقت أطول في مادة استعصت عليه. كما يمكن للمتعلم أن يعيد ترتيب «الحصص» بحيث يتوافق جدوله مع جدول أي فرد من أسرته ليساعده (وخاصة بالنسبة للمراحل العمرية الأصغر أو من يعانون من صعوبات تعلم) أو لتوزيع الوقت بين الأشقاء ممن يتشاركون في الأجهزة أو الشبكة أو الغرفة).

• يمكن للمتعلم الوصول إلى خطة كل حصة من خلال برنامج التعلم الإلكتروني. ويتابع النظام أداء كل متعلم بهدف تذكيره بما تأخر عنه أو نسي القيام به. ويقوم الطالب بتحميل واجباته وكل ما هو مطلوب منه من خلال البرنامج نفسه.

• يمكن للمتعلم التواصل مع معلمه للاستفسار عما يصعب عليه فهمه، وذلك باستخدام وسائل تواصل مختلفة (متزامنة وغير متزامنة). ويمكن للمعلم أن يحدد موعدا للتواصل المرئي المتزامن إذا استعصت الإجابة بفعالية باستخدام الأدوات الأخرى.

• كما يمكن للمتعلم استشارة زملائه في الفصل الدراسي عبر برامج حلقات النقاش، مما يعزز الترابط الاجتماعي ويزيد من ثقة المتعلم في التعامل مع أقرانه.

• مهمة المعلم الأساسية هي متابعة طلبته بدرجة أولى والإجابة عن استفساراتهم وتصويب أخطائهم. ومن الضروري توجيه المتعلمين للتعلم من المصادر (اللقيمات) التي تم تطويرها وعدم اللجوء إلى الأسلوب الأسهل بطلب إعادة المعلم للشرح. وفي حال وجود شرح إضافي لدى المعلم حول المادة المعروضة فيمكن مناقشة مثل تلك المقترحات مع التوجيه الفني كي تعم فائدة الإضافة على الجميع.

• يقوم المعلم بالاجتماع مع طلبته مرة واحدة أو اثنتين في الأسبوع باستخدام برنامج التواصل المرئي المتزامن، ويكون الهدف - ليس الشرح - وإنما توصيف ما سيتعلمونه ذلك الأسبوع. ومن الممكن وضع بعض الأسئلة لجذب الطلبة إلى نقاشات فيما بينهم عما تعلموه في الحصص السابقة.

من المرجح استمرار السياسات العامة في التأرجح بين الانفتاح والانغلاق والتوازن بين الأولويتين إلى حين توفر لقاح للفيروس

أدوات التعليم الرقمي يمكن استخدامها أثناء عملية التدريس النمطية سواء داخل الفصل أو خارجه

خطورة الوضع الحالي تستوجب أن تكون الأولوية لضمان استمرار التعليم مهما تطلب الأمر

نجاح الانتقال إلى التعليم الإلكتروني يحتم مركزية إنتاج المادة التعليمية بدلاً من تكليف مئات المعلمين إنتاجها

مراجعة المنهاج الدراسي خلال عملية الانتقال ليست بهدف تحديثه بل لمواءمته للتعليم عن بعد وتسهيل تطبيقه

التركيز منذ البداية على تعليم الضروري في المواد وحذف الباقي دون إحداث خلل منهجي

الهدف الأساسي من التقييم ليس المفاضلة بين المتعلمين بل قياس مدى كفاءة المنظومة التعليمية في أداء مهمتها

العام الدراسي المقبل مرحلة انتقالية ستشهد الكثير من الشوائب التي يمكن أن تؤثر على دقة أدوات القياس
back to top