قبل أيام من عودة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى منصة الأضواء، خلال مؤتمر حزبه الجمهوري، اعتباراً من يوم غد الاثنين، ولو دون حشود يحبّها، وقف الديمقراطيون صفاً واحداً في مؤتمرهم الافتراضي غير المسبوق، الذي اختاروا خلاله رسمياً جو بايدن مرشحاً لهم للانتخابات الرئاسية.

واختتم نائب الرئيس السابق جوزف بايدن جونيور، مؤتمر الحزب الديمقراطي الذي استمر أربعة أيام، بوعد للأميركيين بعهد مصالحة ووحدة وطنية لطي صفحة سنوات ترامب الأربع.

Ad

وقال بايدن (77 عاماً)، في خطاب أقصر من ذلك الذي يخصص في المؤتمرات العادية، إن «الرئيس الحالي أدخل أميركا في الظلام فترة طويلة جداً. الكثير من الغضب، الكثير من الخوف، الكثير من الانقسامات».

وأضاف، في كلمة لم تستغرق أكثر من 25 دقيقة: «الآن وهنا، أعدكم: إذا منحتموني ثقتكم وعهدتم لي بالرئاسة، فسأُخرج أفضل، وليس أسوأ، ما لدينا. سأكون حليفاً للنور وليس للظلام».

وشكل ترشيح بايدن، الذي أخفق في الانتخابات التمهيدية للديمقراطيين مرتين قبل أن يختاره في 2008 الرئيس السابق باراك أوباما ليرافقه كنائبه إلى البيت الأبيض، تتويجاً لحياة سياسية بدأها في 1973 بشغل مقعد في مجلس الشيوخ عن ولاية ديلاوير.

ورغم خوض 25 مرشحاً آخرين للانتخابات التمهيدية، فرض «العم جو» نفسه خلال أيام في بداية وباء كورونا في مارس، وحسم الأمر لمصلحته نهائياً مع انسحاب السناتور الاشتراكي بيرني ساندرز مطلع أبريل، وتمكن من جمع الديمقراطيين حوله من دون مشاكل علنية، تماشياً مع صورته كشخصية معتدلة وجامعة وهادئة.

وخلال نقاش افتراضي بين سبعة مرشحين سابقين في الانتخابات التمهيدية بثّ في المؤتمر، الذي تحدّث فيه 3 رؤساء سابقين هم جيمي كارتر وبيل كلينتون وباراك أوباما دعماً للمرشح الديمقراطي، ظهر ساندرز ليل الخميس- الجمعة مبتسماً وهو يشيد ببايدن، ويؤكد أنه «شخص يتحلى بقدر كبير من التعاطف وصادق ومحترم، وهو أمر في هذه الفترة من التاريخ أميركا في أمس الحاجة إليه».

أما منافسته السابقة كاميلا هاريس، التي التحقت به لتكون أول مرشحة سوداء ومن أصل هندي لمنصب نائب الرئيس، فقد تهدي بايدن نصيب الأسد من أكبر مجموعة أقليات في الانتخابات الرئاسية، مع ما يقدر بنحو 32 مليون ناخب يحق لهم التصويت، أو 13.3%.

وانتهز الديمقراطيون مؤتمرهم في إبراز تحالف عريض يعمل على إطاحة ترامب ويضم ليبراليين ومعتدلين ورجال دولة مسنين ونجوماً صاعدين، بل وجمهوريين بارزين حثوا رفاقهم المحافظين على وضع الصالح العام فوق المصلحة الحزبية. وما عزز وحدة الديمقراطيين هو إجماعهم على كراهية ترامب، الذي رأى الجمعة، أنهم عقدوا «المؤتمر الأكثر ظلاماً وغضبا وكآبة في التاريخ الأميركي»، مؤكداً أنه «حيث يرى جو بايدن ظلمات أميركية، أرى العظمة الأميركية».

المؤتمر الجمهوري

لكن الجمهوريين قابلوا خطاب بايدن بالكثير من التشكيك، الأمر الذي يعكس تزايد الانقسامات قبيل الانتخابات. وأظهر استطلاع للراي أجري على اساس شرائح اجتماعية مثل الخريجين الحديثين من الجامعات أن الفرق يتضاءل بين المرشحين الرئاسيين، رغم ان الاستطلاعات على مستوى وطني تظهر تقدم بايدن.

وقالت محطة «فوكس نيوز» المحافظة إن «الديمقراطيين لم يقولوا أي شيء خلال مؤتمرهم سوى أنهم ضد ترامب». وانتقدت على الأخص قول بايدن إنه مستعد لإعادة اغلاق البلد، إذا طلب العلماء ذلك، على خلفية تفشي فيروس كورونا.

وفي مؤتمر الحزب الجمهوري، الذي تسبب تفشي وباء كورونا في جعل الجزء الأكبر منه افتراضياً، سيختار نحو 300 مندوب يمثلون الولايات الخمسين رسمياً ومرة جديدة ترامب كمرشح للحزب الجمهوري.

وسيبدأ المؤتمر غدا بكارولاينا الشمالية وفي قاعة مؤتمرات مدينة شارلوت، في حين سيكون ترامب في منطقة أخرى غير بعيدة من هذه الولاية الأساسية للانتخابات.

أما بقية فعاليات المؤتمر فستدور عبر الانترنت، لا سيما من واشنطن، وسيتخللها خصوصاً خطاب للملياردير الجمهوري مساء الخميس من حديقة البيت الأبيض.

وقبل أن يتهم «جهات بتأخير اختبارات لقاح كورونا لما بعد 3 نوفمبر»، اقتنع ترامب أخيراً بصيغة افتراضية إلى حد كبير للحدث، بعدما كان طالب لوقت طويل بعقد مؤتمر ضخم بأجواء احتفالية يشارك فيه الآلاف، رغم تفشي الوباء.

وفي حين لم يفصح عن أي مؤشرات حول ما قد تتضمنه كلمته، واكتفى بالقول إنها ستكون مباشرةً، اعتبر ترامب أنه «الحصن الوحيد الواقف بين الحلم الأميركي والفوضى العارمة والجنون والتخبط»، محذراً من أنه «إذا فاز معارضوه فسيفشلون ولن يبقى أحد بأمان، وستكون أميركا بلداً مختلفاً جداً وسيحدث كساد يشبه عام 1929».

القانون والنظام

وفي استعراض لما سيناقشه الجمهوريون في مؤتمرهم، تطرق ترامب إلى فكرة القانون والنظام التي تبناها في مواجهة الاحتجاجات المناهضة للعنصرية ووحشية الشرطة، بما في ذلك بورتلاند بولاية أوريغون، الذي وصف متظاهريها بأنهم «مجانين».

وأكد ترامب أن الشرطة تم إضعافها في المدن «التي يديرها الديمقراطيون» واستشهد بزيادة جرائم القتل في شيكاغو ومنيابوليس ونيويورك وفيلادلفيا، مطالباً الأميركيين بالابتعاد عن «الاشتراكيين والماركسيين اليساريين الراديكاليين».

وقال ترامب، في خطاب ألقاه في أرلينغتون بولاية فرجينيا أمام مجلس السياسة الوطنية لعام 2020: «بناء على ذلك فإن الرهان في الثالث من نوفمبر سيكون على مستقبل بلدنا وبالطبع مستقبل حضارتنا».

ووسط مخاوف من احتمال الفرز البطيء لتدفّق 50 مليون صوت متوقّع عبر البريد أن يربك المكاتب ولجان الانتخابات، توقّع ترامب أن «يتأخر الإعلان التقليدي عن النتيجة لأسابيع أو شهور، وربّما إلى الأبد»، متهماً الديمقراطيين بالترويج للتصويت البريدي بهدف التلاعب بالنتائج.

وقبل خطاب ترامب، ستلقي زوجته ميلانيا الثلاثاء كلمة من حديقة البيت الأبيض وستحاول أن تبعد عن الأذهان جدلا أثارته كلمتها لعام 2016، التي اقتبست عبارات بأكملها من خطاب السيدة الأولى السابقة ميشيل أوباما في 2008.

وسيلقي الأربعاء نائب الرئيس مايك بنس كلمته من فورت ماكهنري في بالتيمور. ومن الممكن أيضاً أن تقول ابنته ومستشارته إيفانكا كلمةً قبل الخطاب الرئاسي.

المنصات الرقمية تتحوط من رفض ترامب النتيجة

تتعاون المنصات الرقمية المتنافسة بنشاط لتجنب تكرار فضائح «رئاسية 2016» الأميركية التي شهدت حملات تأثير مقنعة تم تنظيمها بشكل رئيسي من روسيا.

وتستعد شبكات التواصل الاجتماعي، بينها «فيسبوك» و«تويتر»، لمواجهة كل السيناريوهات، بما فيها إعلان ترامب، في حال هزيمته، على منصاتها أنه فاز.

وذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» أن رئيس «فيسبوك» مارك زوكربرغ يعقد اجتماعات يومية حول خطر استخدام منصاته للطعن في النتائج.

أما «تويتر» فيفكر في احتمال تمديد الفترة الانتخابية إلى ما بعد الثالث من نوفمبر حتى تنصيب الرئيس المنتخب في يناير.

ويجتمع مسؤولو قطاع التكنولوجيا بانتظام مع مكتب التحقيقات الفدرالي وسلطات أخرى لإحباط هذا النوع من التلاعب. لكن الوضع قد يصبح معقدا إذا تسبب الرئيس نفسه في حدوث ارتباك.