هل ينهي الكرملين حكم لوكاشينكو؟
يبدو أن الكرملين سئم من لوكاشينكو لكنه لن يسمح لبيلاروسيا بالسير على خطى أوكرانيا، فينشأ على حدودها معقل جديد يعادي روسيا ويتكل على حلف الناتو.كانت التطورات الراهنة في بيلاروسيا متوقعة منذ أشهر، فقبل الانتخابات يعمد الرئيس ألكسندر لوكاشينكو دوماً إلى التخلص من منافسيه الأقوياء ويترك الجهات التي يسهل عليه هزمها، حيث تكون الانتخابات مزورة أصلاً ويؤدي إعلان فوز لوكاشينكو إلى اندلاع الاحتجاجات، ثم يعمد الرئيس إلى قمع تلك التحركات عبر استعمال القوة المفرطة، ويعتبر أي انتقاد خارجي تدخلاً في شؤون بيلاروسيا الداخلية وينجح في البقاء في السلطة. بعبارة أخرى، سيتكرر سيناريو انتخابات 2010 مجدداً.لكن على عكس التوقعات الشائعة، تكثر العوامل الكفيلة بتغيير المشهد العام هذه المرة، أبرزها حادثة "فاغنر": في عملية غريبة، اعتقلت الاستخبارات المحلية 33 مرتزقاً روسياً مشبوهاً قبل 11 يوماً من موعد الانتخابات واتّهمتهم بالمجيء إلى "مينسك" لإثارة المشاكل خلال الانتخابات، وسمحت تلك الاعتقالات للوكاشينكو بتقوية خطابه المعادي لروسيا، فشعر الكرملين بالذهول أمام هذا الحدث واعتبره محاولة من حاكم بيلاروسيا لكسب التأييد في الغرب وإعادة انتخابه على أساس المطالبة بالسيادة ومعاداة روسيا، ونتيجةً لذلك تلاشت أي ثقة متبقية بين موسكو ولوكاشينكو بالكامل.
نظراً إلى الموقع الاستراتيجي الذي تحتله بيلاروسيا على المحور المركزي بين الاتحاد الأوروبي وروسيا، تزداد بنظر موسكو والغرب أهمية تحديد خَلَف لوكاشينكو الذي حكم البلد بقبضة من حديد طوال 26 سنة، فلم يعد الكرملين داعماً للوكاشينكو بل سئم من تصرفاته، لكنه لن يسمح لبيلاروسيا بأن تحذو حذو أوكرانيا أو أن يؤدي التمرد فيها إلى سفك الدماء. ما العمل أمام هذا الوضع إذاً؟ تبرز أربعة خيارات أساسية: يقضي الخيار الأول بتنفيذ تدخّل عسكري روسي في بيلاروسيا لتجديد الاستقرار في بلدٍ حليف، لكن من الأفضل تجنب هذا الخيار بأي ثمن نظراً إلى نتائجه الكارثية الحتمية، ويتمحور الخيار الثاني حول الامتناع عن أي تحرك والسماح بسقوط لوكاشينكو على أمل أن يراعي خَلَفه العلاقات الوثيقة التي تجمع البلدين، بما في ذلك المصالح الاقتصادية المشتركة، لكن يحمل هذا الخيار مجازفة كبرى، فقد قد تتحول أي انتفاضة إلى حمّام دم، مما يُجبِر موسكو على اللجوء إلى الخيار الأول، أما الخيار الثالث، فيقضي بالاستفادة من تدهور العلاقات بين لوكاشينكو والغرب واحتضان الرئيس البيلاروسي، لكن قد تترافق هذه الخطوة مع نتائج عكسية لأنها تُظهِر روسيا كشريكة للنظام المحكوم بالفشل ويسهل أن تتأجج مشاعر الكره تجاه روسيا في هذه الحالة، أخيراً، يتعلق الخيار الرابع بالتخلي عن لوكاشينكو والإشراف على مرحلة انتقالية في "مينسك".قد يعني هذا الخيار الأخير تسهيل العملية الانتقالية السياسية في بيلاروسيا عبر إقناع لوكاشينكو بأن التقاعد في المنفى هو الخيار الأقل سوءاً له في ظل الظروف الراهنة، وهذا التوجه يعني في الوقت نفسه إشراك مجموعة واسعة من الشخصيات العامة في بيلاروسيا وتسهيل نشوء قيادة موقّتة محترمة وجديدة لإجراء انتخابات في الوقت المناسب، ويعني هذا الخيار أيضاً توعية سكان بيلاروسيا بالمسائل المشتركة في العلاقة الثنائية، بما في ذلك طبيعة الدولة الاتحادية ومختلف عناصرها. بعبارة أخرى، لا بد من تحديد المعايير المستقبلية للعلاقات الاقتصادية والأمنية بين البلدين، ويجب أن يكون هذا الحوار صريحاً وثمة حاجة إلى إعادة التأكيد على الالتزامات المتبادلة أو تعديلها عند الاقتضاء.ستكون إدارة الأزمة في بيلاروسيا بما يضمن الحفاظ على دولة مجاورة صديقة وشريكة جديرة بالثقة لروسيا أبسط من الرؤية التي يحملها الكثيرون منذ وقتٍ طويل عن معنى الدولة الاتحادية الحقيقية، لكن يبقى التخلص من الأوهام وإنقاذ حياة الناس وتوفير الأموال أفضل من تحوّل بلدٍ حليف إلى عدو شرس. باختصار، يجب ألا يتكرر ما حصل في أوكرانيا المجاورة!* «ديمتري ترينين»