يمرّ الفلسطينيون بواحدة من أكثر الفترات خطورة في تاريخهم، حيث كان تطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة مجرّد بداية لمرحلة جديدة، ومن المتوقع أن تسير دول عربية ومسلمة أخرى على الخطى نفسها في الفترة المقبلة، فقد أكّد حيدر بدوي صادق، المتحدث باسم وزارة الخارجية السودانية حصول محادثات بين الخرطوم والقدس وتوقّع عقد معاهدة بين البلدين قبل نهاية هذه السنة. سرعان ما طُرِد صادق من منصبه وأنكرت الوزارة معرفتها بأي مفاوضات سرّية، ربما تكلم صادق في وقت غير مناسب، أو ربما استبق الأمور أو أراد اختبار ردود الأفعال على نبأ مماثل، فالسبب غير مهم! بغض النظر عن توقيت هذه الخطوة في السودان، يتعلق أهم عامل اليوم بالزخم الذي اكتسبته الجهات التي تريد عقد السلام مع إسرائيل أو البلدان التي لم تعد مقتنعة على الأقل بصوابية حرمان نفسها من المزايا الاقتصادية والدبلوماسية والأمنية التي يضمنها التعاون مع الدولة اليهودية.تحلم إسرائيل بالاعتراف بها أخيراً كجزءٍ من المنطقة، مما يعني أن تتحول من قوة استعمارية إلى دولة مجاورة، وقد تسعى البلدان إلى عقد علاقات ثنائية معها خلال الأشهر والسنوات المقبلة لأسباب متنوعة، لكنّ إقدام أي دولة على مد يد الشراكة إلى إسرائيل يعني ضمناً الاعتراف بالعدالة التاريخية والأخلاقية للصهيونية، كما سيترافق الاندماج في المنطقة مع تداعيات معينة على إسرائيل أيضاً، فحين تشعر إسرائيل بزيادة أمنها وتراجع عزلتها، قد تميل إلى التشكيك في مظاهر السلام والتعاون المتراكمة على مر السنوات الأخيرة على اعتبار أنها مبنية على المصالح.
لكن ماذا عن الفلسطينيين؟ لطالما كان الدعم العربي والإسلامي لقضيتهم أساسياً لمنع الاعتراف بإسرائيل والتعاون معها، لكن بدأ هذا الوضع يتغيّر، فلم تعد فلسطين تحتل المكانة التي كانت عليها في الهوية السياسية والثقافية النخبوية في أنحاء المنطقة، حتى أن تحركات الشارع الداعمة لها هدأت اليوم، وزاد الوضع سوءاً لأن الفلسطينيين رفضوا خطط السلام السخية والأراضي والحياة المزدهرة التي عرضها عليهم الإسرائيليون مراراً وتكراراً، وإذا كانت السلطة الفلسطينية لا تهتم بقيام دولة خاصة بها، فما الذي يدفع الآخرين إلى الاهتمام بهذا الموضوع؟ أدى الموقف الفلسطيني المتعنّت إلى رفض الفلسطينيين.قد يكون احتمال توثيق الروابط الدبلوماسية والاقتصادية والثقافية بين إسرائيل والعالم العربي إيجابياً، لكن لا يزال الفلسطينيون بلا دولة، وغياب هذا الكيان يعني أنّ الفلسطينيين في يهودا والسامرة يعيشون حتى الآن في ظل خليطٍ من الحكم الذاتي المدني والعسكري والحكم الإسرائيلي العسكري. بسبب هذا الوضع ومظاهر الإهانة والظلم التي ترافقه، عادت الدولة الفلسطينية إلى واجهة الأجندة الدولية بطريقة لا تتمناها معظم الجهات التي تخوض نزاعات أخرى على الأراضي، وتطرح هذه الظروف خطراً على رام الله لأن القضية الفلسطينية بدأت تُمهّد لنشوء شرق أوسط جديد حيث تصبح إسرائيل من صانعي القرارات الأساسية في المنطقة، ومن الجهات التي يلجأ إليها الحلفاء العرب والمسلمون بحثاً عن الحماية والازدهار. لم يعد حل الأزمة الفلسطينية ممكناً عبر نسيان القضية بالكامل أو رفض التعاون مع إسرائيل، بل يقضي أفضل حل بإحداث تغيير منهجي في غزة ويهودا والسامرة، بما في ذلك إصلاح المؤسسات السياسية، وإنشاء طبقة وسطى فلسطينية، وابتكار ثقافة جديدة مبنية على الليبرالية والتسامح والتعاون والسلام. يحمل الكثيرون هذه المطالب منذ عقود وقد حاول عدد متلاحق من قادة العالم المتعاطفين إحداث هذه التغيرات لكن لم تكن جهودهم مُجدية. وقد أصرّت السلطة الفلسطينية على مواقف الرفض والتعطيل والتحريض وبقي الفلسطينيون بلا دولة نتيجةً لذلك، حيث كانت حركة "فتح" تعرف أنها تستطيع الإفلات بأي شكل من الفساد أو الغباء لأن التزام القوى العربية بقضية إخوتهم في فلسطين كان موقفاً شبه إلزامي، لكن تتوسع المخاوف في رام الله اليوم في ظل تلاشي اهتمام إخوتهم العرب بهم.لا شيء يُخفف وقع المشكلة القائمة على ما يبدو: لقد عانى الفلسطينيون كثيراً ولا تزال معاناتهم مستمرة حتى الآن، وإذا قرر العالم العربي التخلي عنهم فعلاً، فستجد إسرائيل نفسها مضطرة لتحمّل مسؤولية رعايتهم الاجتماعية، وربما لم تعد فلسطين مسألة تهمّ الدول العربية، لكنّ تطبيع العلاقات قد يزيد أهمية قيام دولة فلسطينية بنظر إسرائيل.* «ستيفن ديزلي»
مقالات
هل نسيت البلدان العربية قضية فلسطين بعد تقبُّل إسرائيل؟
25-08-2020