خارج السرب: أين خيمتنا الأمنية؟
في موسم الربيع أو موسم الكشتات كما يعرف عندنا خرج صديقان للتنزه في الصحراء، ونصبا خيمتهما ثم ناما ليتركاها بعد جهد جهيد، وليستيقظا فجراً ويستمتعا بالطبيعة البرية حسب ما جرت عليه العادة الكشتوية. في منتصف الليل أيقظ أحدهما صاحبه فجأة وبادره بسؤال: ماذا ترى؟ رد الصديق وهو مبتسم ويقلب عيونه: الله الله ما أصفى السماء في هذه الليلة! وما أجمل النجوم المتلألئة وما أروع هذا القمر! فقاطعة صديقة بسرعة قبل أن يكمل قصيدة المجرة على بحر الطويل جداً وصرخ بوجهه: هل جننت؟! ما لنا وللقمر والنجوم؟! ألا ترى أن خيمتنا سرقت؟! تذكرت هذه الطرفة وأنا أشاهد ردود الأفعال حول تسريبات أمن الدولة التي نشرت مؤخراً، ولاحظت في مجرياتها تركيزاً كبيراً حول ما دار فيها، وتغافلا كبيراً أيضا لنقطة أخرى أراها أهم من التسريبات ذاتها، وهي من سرّبها ومن وراءه؟!
ولا يفهم من كلامي أني أقلل من شأن ما تم تسريبه أو محاولة لمواراة عورة السوء التي اطلع عليها مع الأسف القاصي والداني، فما حدث أمر جلل ومؤسف، ولا يليق بمؤسسات الدولة ولا بنصوص دستورها ولا عرفها الشعبي قبل الرسمي الذي لم يتعود على تصرفات مخجلة كهذه، ولكن فكرة اختراق مؤسساتنا الأمنية بهذا الشكل وجعل موادها الأمنية التي تخدم التحريات مواد إعلامية وفق قاعدة "الجمهور عاوز كده" يبقى أمراً لا يمكن تجاوزه أو التغاضي عنه! ونعم عقاب المُسرب عندي أهم من التسريب ذاته، فلكل مقام مقال، ومقام أمن البلد والحفاظ على مؤسساتها أهم من مقام أي قضية أو خلل آخر، القضايا والخلل ممكن علاجها، ولابد من علاجها، ولكن قبول تحويل مؤسسة أمنية بحجم أمن الدولة وكالة بدون بواب لأي متمصلح وخائن للأمانة لا يجوز بكل منطق وطني أعرفه ويجب ألا يمر. باختصار يا سادة خيمتنا الأمنية سرقت، فلا تتغاضوا عن هذا الأمر أبداً، ولا يشغلكم عنه أي أمر آخر سواء أكان قصائد مدح وهجاء، أو مقاصد سياسية، أو قصصا مصلحية على نظام ألف غاية وغاية.