سلطنة عمان تطلق مشروعاً إصلاحياً طموحاً
على مر أكثر من عشرين سنة عمل بن عبدالله على رسم السياسة الخارجية في عهد قابوس بصفته وزير الخارجية، فحوّل السلطنة إلى وسيط موثوق به دولياً، ورحيل الدبلوماسيين القدامى يشكّل نهاية لعهد قابوس ويترك السلطنة الخليجية أمام تحدٍّ صعب يقضي بتحقيق نهضة إدارية كبرى.
صرّحت بثينة الجابري، شريكة في تأسيس "اتحاد الطلبة العمانيين" في المملكة المتحدة، لموقع "المونيتور": "كنا ننتظر هذا اليوم بفارغ الصبر"! في 18 أغسطس، عمد السلطان هيثم، حاكم سلطنة عمان الجديد، إلى إعادة هيكلة الحكومة.تعهد هيثم عند استلامه الحكم في يناير الماضي باتخاذ التدابير اللازمة لإعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة، وصرّح الباحث العماني في علم الاجتماع السياسي، مبارك الحمداني، لموقع "المونيتور" بأنه مقتنع بقدرة الحاكم الجديد على تطبيق السياسات التي تفرضها الاستراتيجية الوطنية "سلطنة عمان 2040"، وتؤكد الجابري من جهتها أن الأسلوب القديم لم يعد فاعلاً اليوم.في بلدة "كمزار" المعزولة التي يصل إليها الناس بالمركب حصراً في أقصى شمال البلاد، يشعر السكان بالسعادة بعد ذلك الإعلان، لكن قد تتحول هذه الحماسة إلى خيبة أمل إذا لم تكن الإصلاحات بمستوى التوقعات المنتظرة، حذرت امرأة في مسقط من أن الشباب العمانيين الذيين كانوا يتهمون الحكومة سابقاً بإطلاق وعود مزيفة لن يتسامحوا الآن مع الخطوات البطيئة، بل سيحرصون على مراقبة التطورات عن قرب.
مقاربة تستهدف قطاع الأعمالتعليقاً على إصلاحات الحكومة الجديدة في عهد السلطان هيثم، أشاد العمانيون بتقاعد الوزراء الذين بقوا في مناصبهم طوال عقود ورحّبوا بالوجوه الجديدة وباختيار مسؤولين تكنوقراط يتمتعون بمؤهلات قوية.بالإضافة إلى تحسين الأداء العام، يشكّل تخفيف أعباء الإدارات العامة جزءاً من تعديل استراتيجي واسع يهدف إلى معالجة تنامي الدين العام منذ انهيار قطاع النفط في عام 2014 وزيادة اتكال السلطنة على القروض الخارجية وتلاشي نظام الرعاية الاجتماعية.تأثرت سلطنة عمان بالركود الاقتصادي وتراجع أسعار النفط تزامناً مع انتشار فيروس "كوفيد-19"، وهي تتجه إلى تسجيل واحد من أعلى مستويات العجز في الميزانية في منطقة الخليج.أشاد ألكسندر برياند، رئيس النادي الفرنسي العماني في باريس، باستعداد القيادة العمانية الجديدة لزيادة الاستثمارات الخارجية المباشرة: "إنها فرصة ممتازة للمستثمرين الفرنسيين والشركات الفرنسية لتعزيز الشراكات الاقتصادية مع السلطنة". كان السلطان قابوس بن سعيد يسيطر على معظم المناصب السيادية حتى وفاته، وقد كتبت كريستين سميث ديوان من "معهد دول الخليج العربي" في واشنطن: "كان قابوس يتمتع بدرجة استثنائية من الاستقلالية والنفوذ داخل بنية السلطة العمانية".لكن كانت حقبة الحكم المركزي الفائق توشك على النهاية كما توقّع الخبراء، وفي 18 أغسطس تخلى السلطان هيثم عن وزراتَي الخارجية والمالية وفتح المجال أمام اتخاذ قرارات شاملة. تماشياً مع الممارسات الراهنة في معظم دول الخليج، من المتوقع أيضاً أن تؤدي العائلة المالكة دوراً ناشطاً إضافياً، حيث عيّن هيثم ابنه كوزير للثقافة والرياضة والشباب وشقيقه كنائب لوزير الدفاع.وعلى الجبهة الدبلوماسية، عيّن السلطان بدر بن حمد بن حمود البوسعيدي وزيراً للخارجية، وهو مُكلّف بمهمة شاقة تقضي بتطبيق سياسة خارجية مستقلة كان سلفه يوسف بن علوي بن عبدالله قد طوّرها على مر عقود. خلال العقد الماضي وحده، شهدت سلطنة عمان محادثات سرية بين طهران وواشنطن قبيل الاتفاق النووي في عام 2015، ورحّبت برئيس الوزراء الإسرائيلي تزامناً مع حصول تقارب بين قادة الخليج والدولة اليهودية، ورفضت الانضمام إلى تدخّل عسكري في اليمن أو المشاركة في الحظر المفروض على قطر منذ عام 2017.نهاية عهد قابوسيظن هوتشانغ حسن ياري، رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة السلطان قابوس، أن الوقائع الاقتصادية الراهنة قد تؤدي إلى نشوء سياسة خارجية أكثر براغماتية وتقريب السلطنة من أشقائها العرب.كشف موقع "بلومبيرغ" في تقرير بتاريخ 11 يونيو أن الوضع المالي في سلطة عمان كان محط نقاش خلال اجتماعات سياسية عالية المستوى حضرها مسؤلوون خليجيون، لم يتم اتخاذ أي قرار حينها، لكن قد تحاول سلطنة عمان الحصول على مساعدات مالية من الدول المجاورة لها.يضيف حسن ياري: "قد تتجدد العلاقات مع بلدان مثل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وسواهما، ومن المتوقع أن تؤدي سلطنة عمان دوراً ناشطاً في الأزمة الخليجية بين قطر وجيرانها العرب". على مر أكثر من عشرين سنة، عمل بن عبدالله على رسم السياسة الخارجية في عهد قابوس بصفته وزير الخارجية، فحوّل السلطنة إلى وسيط موثوق به دولياً، إذ يشكّل رحيل الدبلوماسيين القدامى نهاية لعهد قابوس ويترك السلطنة الخليجية أمام تحدٍّ صعب يقضي بتحقيق نهضة إدارية كبرى.* «سيباستيان كاستيلييه »
تعليقاً على إصلاحات الحكومة الجديدة في عهد السلطان هيثم أشاد العمانيون بتقاعد الوزراء القدامى ورحبوا بالجدد