لم يعتد الشعب الكويتي أن يوجّه نائبُ الأمير خطاباً إليهم في فترة نيابته عن الأمير، كما لم يعتادوا أن يوجه لهم خطاباً بصفته ولياً للعهد، وهذه هي المرة الأولى التي يتم فيها ذلك، بتاريخ الكويت. ولعل الظروف العديدة المستجدة والمتداخلة في وسط أسرة الحكم، والتداعيات المصاحبة لها محلياً، وتفاقم ملفات الفساد المتسارعة في الدولة ومؤسساتها بوتيرة النار في الهشيم، مبررات كافية، وحسناً فعل بمخاطبته للشعب مباشرة.وقد لامس سموه هذه الحقائق بكل حنكة، فلم يكتمها وصارح الناس بها، فقال: "أتحدث إليكم وأشارككم الرأي حول أمور وقضايا أعلم أنها تشغل بالكم"، مضيفاً: "مظاهر العبث والفوضى والمساس بكيان الوطن ومؤسساته"، قائلاً: "أشدد بألا يفلت أي مسيء من العقاب"، ومؤكداً: "إيماننا بحرية الرأي ثابت، والتزامنا بالنهج الديمقراطي راسخ"، ومضيفاً: "أمامنا ملفات وقضايا مهمة، وهي نتيجة تراكمات طويلة تحتاج معالجتها للجدية والحكمة والتعاون البناء"، منوهاً: "لنا في سمو رئيس مجلس الوزراء وقدرته على التصدي لهذه الملفات ثقة كبيرة"، ومعقباً: "يجب أن ينطلق من إصلاح الأجهزة الحكومية ومعالجة الهدر في المصروفات وضبط وتجفيف منابع الفساد وأدواته"، ومصارحاً: "لكل من يثير التساؤل حول محاسبة أبناء الأسرة الحاكمة نؤكد أنهم جزء من أبناء الشعب الكويتي، وتسري عليهم ذات القوانين، ومن يخطئ يتحمل مسؤولية خطئه، فليس هناك من هو فوق القانون". مختتماً: "لا أحد فوق القانون، ولا حماية لفاسد أياً كان اسمه أو صفته أو مكانته".
واسمح لي يا سمو نائب الأمير، أن نصارحكم بمثل مصارحتكم لنا، فقد بثثتَ اطمئناناً وأملاً بعد يأس، وأوجدت ترقباً لتغيير كان يشغل بال الناس، ويشكل همّاً ملحّاً، وأجبت تساؤلات وانتظاراً طالما تعطش الناس لرؤيته واقعاً عملياً، وإجراءات حاسمة لا تحتمل التأخير ولا التعطيل، سأوردها تباعاً.* فأسرة الحكم تحتاج إلى التفاتة عاجلة من سموكم، تكريساً لمرجعيتها وحيادها، بحسم التزام أبنائها بعدم اللجوء لاستقطابات سياسية أو اجتماعية، تحت أي مبرر وأياً كانت الحجة، ومنعهم من التدخل في خيارات الناس الانتخابية، بقرارات تنظيمية صارمة تصدر لأبناء الأسرة، للنأي بها عن التجريح السياسي، وهو الذي حرص الدستور على تكريسه.* دعم رئيس مجلس الوزراء لتطهير وإصلاح الأجهزة الحكومية وإقصاء أي من قيادييها الفاسدين ومحاسبتهم فوراً، سواء كانوا من أسرة الحكم أو من غيرهم، فالناس لم تعد تثق بالأجهزة الحكومية؛ لما تعيشه من ممارسات فاسدة، وترى أن الدولة متراخية معهم.* وقف النموذج السيئ لعضو مجلس الأمة، والذي ساد نموذجه ضمن ملفات متراكمة لسنوات، فيُقطع دابر نائب الخدمات، وتُجفف مراكز المال السياسي الرائج إبان مرحلة الانتخابات، باتخاذ إجراءات لا هوادة فيها لمحاسبتها. وإنهاء ما يسمى نواب الحكومة، الذين هم أدوات رائجة للفساد، وإنشاء هيئة وطنية عليا للانتخابات وإسناد مسؤوليات الانتخابات برمتها لها، مع اعتماد البطاقة المدنية أساساً للانتخاب، لوقف النقل الجائر وتكدس ناخبين بعناوين حقيقية أو وهمية، وهو ما يعزز حرص سمو الأمير وسموكم على ترسيخ النهج الديمقراطي للكويت.* وأخيراً وليس آخراً، دعمكم لدولة الدستور والمؤسسات، بوقف أية ممارسات تحاول أن تنال منها بأي صورة من الصور، من خلال تكريس إجراءات العدالة والشفافية والعلانية في عمل المؤسسات والأجهزة والمناقصات، وتكافؤ عملي وحقيقي في فرص التعليم والوظائف العامة وكافة خدمات الدولة والاعتماد على الكوادر الوطنية، حتى تعيدوا سموكم الاعتبار للمؤسسات وتقضوا على مظاهر القلق وعدم الثقة، الذي ولَّد يأساً لدى الكويتيين، وأرهق البلد بالشائعات لغياب الشفافية.ولكم يا سمو نائب الأمير كل المحبة والسمع والطاعة، وقد أثلجتَ سموكم صدورنا بخطابكم، وبثثت الطمأنينة والأمل بأن الكويت لن تكون بلداً للفساد، وأنها بلد خير وتطور ورخاء، حفظ الله الكويت وشعبها بقيادة سمو الأمير وسموكم، لما فيه خير البلاد والعباد.
أخر كلام
قراءة في خطاب سمو نائب الأمير
26-08-2020