قال تقرير صادر عن بنك الكويت الوطني، إن الضغوط تواصلت على أوضاع المالية العامة للكويت خلال السنة المالية 2019/2020 نتيجة انخفاض أسعار النفط، ما أدى إلى استمرار السحب من الاحتياطيات المالية للحكومة.

ووفق التقرير، ارتفع العجز إلى 3.9 مليارات دينار قبل تحويل 10 في المئة من الإيرادات إلى صندوق الأجيال القادمة أو ما يعادل 9.8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2019 مقارنة بعجز قدره 1.3 مليار دينار أو ما يمثل 3.1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للسنة المالية السابقة.

Ad

في التفاصيل، وبعد التحويلات الاعتيادية لصندوق الأجيال القادمة، وصل مستوى العجز إلى 5.6 مليارات دينار (14.1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي) مقابل 3.4 مليارات (7.9 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي) في العام السابق، إلا أن مجلس الأمة أقر أخيراً قانوناً لوقف هذه التحويلات للسنة المالية السابقة وخلال السنوات التي تحقق فيها الميزانية العامة عجزاً.

ويعزى تزايد مستويات العجز إلى انخفاض أسعار النفط، لكن وتيرة زيادة العجز تسارعت بحدة في مارس على خلفية تفشي جائحة كوفيد-19 على مستوى العالم.

تراجع الإيرادات النفطية

انخفضت الإيرادات النفطية، التي تمثل 89 في المئة من إجمالي الإيرادات، في العام المالي 2019/2020 على خلفية انخفاض متوسط أسعار نفط خام التصدير الكويتي بنسبة 10.3 في المئة.

كما انخفض إنتاج النفط بنسبة 1.1 في المئة في إطار الالتزام باتفاقية "أوبك" وحلفائها لخفض حصص الإنتاج.

نتيجة لذلك، انخفضت الإيرادات النفطية بنسبة 16.6 في المئة على الرغم من تلقيها بعض الدعم بفضل ارتفاع إيرادات الغاز.

كما جاءت الإيرادات النفطية أعلى من المستوى المقدر في الموازنة بنسبة 111 في المئة، فيما يعزى إلى حد كبير إلى ارتفاع أسعار النفط عن مستوياتها المقدرة في الموازنة العامة ببلوغها 61.1 دولاراً للبرميل مقابل 55 دولاراً للبرميل.

من جهة أخرى، تراجعت الإيرادات غير النفطية بنسبة 13.1 في المئة بعد ارتفاعها بنسبة 24 في المئة في العام السابق نتيجة لتراجع إيرادات الضرائب والرسوم بنسبة 7.7 في المئة، إذ انخفضت قيمة الضرائب المفروضة على الشركات الأجنبية بنسبة 26.1 في المئة نتيجة ضعف النشاط الاقتصادي، ما انعكس أيضاً على انخفاض الضرائب والرسوم الجمركية على الواردات (-3.6 في المئة) مقارنة بالسنة المالية 2018/2019.

إضافة إلى ذلك، تراجعت إيرادات قطاعي الكهرباء والمياه (التي تمثل قيمتها حوالي 15 في المئة من إجمالي الإيرادات غير النفطية) بنسبة 15.5 في المئة و36.3 في المئة على التوالي، في حين انخفضت إيرادات السلع والخدمات الأخرى بنسبة 41 في المئة، إذ بلغت 69 مليون دينار.

وفي المقابل، أظهرت بيانات لجنة الأمم المتحدة للتعويضات زيادة ملحوظة في تحويلات التعويضات العراقية لتصل إلى 0.3 مليار دينار في السنة المالية 2019/2020 مقابل 0.1 مليار دينار في العام المالي السابق.

كما تشير البيانات أيضاً إلى أن الديون المستحقة للحكومة، التي تشمل فواتير المرافق العامة مستحقة الدفع، ما تزال مرتفعة نسبياً، إذ تمثل نسبة 4.1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وسيتطلب استرداد هذه المبالغ تطبيق تدابير أكثر صرامة ورفع مستوى كفاءة نظام التحصيل الحكومي.

خفض الإعانات

وسط استمرار عجز الميزانية والدعوات لترشيد النفقات العامة، خفضت الحكومة نفقاتها العام الماضي بنسبة 3.2 في المئة لتصل إلى 21.1 مليار دينار، أو ما يعادل 94 في المئة من إجمالي المخصصات في الموازنة العامة.

وانخفضت النفقات الجارية بنسبة 2.1 في المئة إلى 18.8 مليار دينار على خلفية التراجع الحاد بنسبة 57 في المئة الذي شهدته الإعانات لتصل إلى0.6 مليار دينار، نتيجة التراجع الذي شهدته الإعانات ضمن القطاع النفطي.

وعلى الرغم من أن السبب المحدد لهذا الانخفاض غير واضح، فإننا أننا نعتقد أنه قد يعزى في الغالب إلى انخفاض المتأخرات المستحقة لمؤسسة البترول الكويتية، والتي بلغت مستويات مرتفعة بصفة استثنائية في السنة المالية 2018/2019.

وباستثناء بند الإعانات، سترتفع النفقات الجارية بنسبة 2 في المئة مقارنة بالعام الماضي، مما يشير إلى درجة ما من ضبط معدلات الإنفاق.

وساهمت بعض العوامل في زيادة الضغوط على النفقات الحكومية من أبرزها تعويضات العاملين (حوالي 40 في المئة من النفقات الجارية)، والتي زادت بنسبة 5.6 في المئة في أعقاب زيادتها بنسبة 6.5 في المئة في السنة المالية 2018/2019.

إضافة لذلك، ارتفعت مشتريات السلع والخدمات بنسبة 6.4 في المئة على خلفية ارتفاع مشتريات الوقود لمحطات توليد الكهرباء وتقطير المياه بنسبة 11.0 في المئة لتصل إلى 1.5 مليار دينار، وذلك على الرغم من انخفاض أسعار الوقود.

وأخيراً، ظلت المنح – والتي تتمثل بصفة رئيسية في التحويلات الموجهة إلى عدد من الهيئات كجامعة الكويت والهيئة العامة للقوى العاملة وهيئة مشروعات الشراكة بين القطاعين العام والخاص- مستقرة نسبياً عند مستوى 5.3 مليارات دينار.

كما انخفض ايضاً الإنفاق الرأسمالي بحوالي 0.3 مليار دينار تقريباً أو ما يعادل 12 في المئة إلى 2.3 مليار دينار، أو ما يعادل 70 في المئة من المخصصات ضمن الموازنة، فيما يعتبر أدنى المستويات المسجلة في ستة أعوام، مقارنة بحوالي 80 في المئة في العام السابق. وجاء تراجع معدل الإنفاق الرأسمالي متسقاً مع ضعف أنشطة المشاريع الذي شهدناه خلال السنوات الأخيرة نتيجة للمفاوضات المطولة أثناء فترة طرح العطاء وغيرها من الصعوبات الفنية المختلفة. بالإضافة إلى ذلك، قد تكون قيود الإنفاق المشددة بهدف كبح جماح العجز المتزايد من العوامل الإضافية التي ساهمت في ذلك.

وتُعرضُ بيانات الإنفاق بطريقة بديلة أيضاً، مما قد يبسط بعض التصنيفات المذكورة أعلاه. فعلى سبيل المثال، تقع بعض مدفوعات الأجور خارج فئة تعويضات العاملين المذكورة أعلاه.

وعموماً بلغت فاتورة الأجور 12 مليار دينار أو ما يمثل 57 في المئة من إجمالي النفقات، أما الإعانات فقد مثلت 19 في المئة من إجمالي النفقات (بعضها مصنف أيضاً خارج بند الإعانات أعلاه)، ليشكل هذان البندان حوالي 76 في المئة تقريباً من النفقات الإجمالية.

استمرار العجز

وعموماً، جاء حجم العجز المسجل للسنة السادسة على التوالي قريباً من توقعاتنا، بعد الانخفاض الذي شهدته أسعار النفط عام 2014، وعلى الرغم من احتفاظ الحكومة وفقاً للتقديرات بموارد مالية ضخمة تزيد على 500 مليار دولار في صندوق الثروة السيادية، فإن استمرار تسجيل عجز في ميزانيات السنوات الأخيرة أدى إلى استنزاف الموارد المتاحة في صندوق الاحتياطي العام الذي يستخدم بصفة رئيسية لتمويل الميزانية.

وأصبح هذا الأمر أكثر إلحاحاً منذ انتهاء صلاحية قانون الدَّين العام في عام 2017، مما جعل من صندوق الاحتياطي العام الوسيلة الوحيدة المتاحة للتمويل.

ووفقاً لديوان المحاسبة، بلغ صافي أصول صندوق الاحتياطي العام حوالي 22.9 مليار دينار كما في يونيو 2019. واستناداً إلى بعض الفرضيات، فقد ينخفض هذا الرقم إلى حوالي 18 مليار دينار بنهاية السنة المالية 2019/2020 (مارس 2020)، كما أن الأصول السائلة المتبقية قد تكون أقل من ذلك بكثير.

انهيار أسعار النفط

استمر استنزاف موارد صندوق الاحتياطي العام خلال الأشهر القليلة الأولى من السنة المالية الحالية نظراً إلى ضعف أسعار النفط (التي بلغت متوسط 30 دولاراً للبرميل في الأشهر الأربعة الأولى من العام)، إضافة إلى الضغوط التي شهدتها النفقات لاحتواء جائحة كوفيد-19. وبالنسبة للسنة المالية 2020/2021، فقد يصل العجز إلى أكثر من 10 مليار دينار، أو 32 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بناءً على متوسط سعر قدره 40 دولاراً لخام التصدير الكويتي مع خفض للنفقات بنسبة 5 في المئة إلى 20 مليار دينار.

هذا الأمر من شأنه أن يستنفد معظم الأموال المتبقية في صندوق الاحتياطي العام. ويعد قيام الحكومة أخيراً باستبدال أصول بحوالي 2.1 مليار دينار من صندوق الاحتياطي العام مع صندوق الأجيال القادمة لتمويل النفقات الحكومية أحد المؤشرات على تزايد حدة هذه الضغوط.

من جانبها، اقترحت الحكومة مجموعة من التدابير الممكنة التي تهدف إلى تقليص العجز في المستقبل، التي شملت تطبيق الضريبة الانتقائية وضريبة القيمة المضافة بأثر مالي متوقع بقيمة 0.8 مليار دينار، وضريبة أرباح الشركات بنسبة 5 في المئة (0.5 مليار دينار)، وزيادة رسوم المرافق العامة (0.5 مليار دينار)، وزيادة رسوم الخدمات الحكومية الأخرى.

ويقدر الأثر الإجمالي لتلك الإجراءات بحوالي 5.0 مليارات دينار تقريباً، لكن على الرغم من ذلك، تتطلب معظم تلك الإصلاحات الحصول على موافقة برلمانية ومن المستبعد تطبيقها في الأجل القصير.

لذلك، نتوقع تأثيراً معتدلاً لتلك التدابير على نتائج السنة المالية الحالية. وعلى المدى القريب، من المرجح أن تركز الجهود المبذولة لمعالجة عجز الميزانية بشكل أكبر على خفض النفقات غير الضرورية، إضافة إلى تحرير خيارات التمويل كعملية استبدال أصول صندوق الاحتياطي العام بأصول صندوق الأجيال القادمة التي جرت مؤخراً، ووقف تحويل نسبة 10 في المئة من إيرادات الدولة إلى صندوق الأجيال القادمة في السنوات المالية التي تشهد عجزاً في الموازنة بواقع أكثر من الضعف.

لكن تطبيق إصلاحات مالية كبيرة وواسعة النطاق أصبح من الضرورات الملحة، إذ يعد تخفيض وكالة التصنيف الائتماني ستاندرد آند بوزر للتصنيف الائتماني السيادي للكويت من مستقر إلى سلبي بمنزلة علامة تحذير تعكس استنفاذ موارد صندوق الاحتياطي العام وغياب قانون الدَّين الجديد إضافة إلى عدم توافر إصلاحات مماثلة لتلك التي شهدتها معظم دول الخليج الأخرى.

ومن الضروري أن تستهدف الإصلاحات ترشيد الإنفاق، وتعزيز جهود الشراكة بين القطاعين العام والخاص لتقليل تكلفة المشاريع الحكومية، وتعزيز الإيرادات غير النفطية.

وفي الوقت الحالي، يجب إعطاء الأولوية القصوى لاحتواء جائحة كوفيد-19 والقضاء عليها، مما يجعل إصدار قانون الدَّين العام أمراً ضرورياً جداً.

ويمكن للكويت أن تستفيد من تصنيفها الائتماني الجيد وبيئة أسعار الفائدة المنخفضة للاقتراض بأسعار تنافسية. لكن استخدام حصيلة هذه الديون يجب أن يرتكز على استخدامه لأغراض إنتاجية كالاستثمار الفعال في رأس المال المادي والبشري، وفقاً لخطة إصلاحية شاملة وواضحة المعالم تستهدف معالجة الاختلالات الاقتصادية الكلية، وعلى رأسها استدامة المالية العامة، وتنفيذ إصلاحات هيكلية تهدف إلى تعزيز دور القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي وخلق فرص عمل لعدد كبير من المواطنين المتوقع دخولهم سوق العمل.