لن يغيرنا «كورونا»
منذ أن غزانا كورونا الخبيث وأنا على يقين تام أنه بُعث ليُعلمنا أهم دروس الإنسانية والحياة، فرغم مرارته وصعوبة التعايش معه، فإنه جاء ليوقظ الإنسان الراقد داخلنا، فـوجدنا أنفسنا جميعا مرغمين على ترك كل مهم في سبيل صحتنا وصحة من حولنا، وأجبرنا على إحياء حب الآخرين ما نحب لأنفسنا، واستيعاب أن الصحة أهم من المال والرزق والمعاش، وأي شيء آخر في هذا الوجود. آمنتُ وبشدة أن الفيروس نعمة من الله ليغدو العالم كوكبا أفضل بإنسانية حقة، لكن زيارته للأسف ثقلت فـضجر من لا يقوى على الإنسانية، وملت النفوس تمثيل الإيثار وحب الآخر، وتعبت الأرواح الطامعة من العيش شهوراً دونما دخل مادي يرضي العين والجيب، فارتخت همة التضحيات شيئا فشيئا، وتكاسلت روح التعاون والاتحاد لمواجهة الوباء. ملت النفوس العُزلة والخلوة، واشتاقت لكل شيء، فما عاد الوباء يشغل حيزا كبيرا في أذهان أولئك، وبدلا من زيادة الوعي قلّ حماسنا، وصار أغلبنا يحتج خطأ بقوله تعالى: "قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا"، دون اعتبار للمسببات.
فُتحت المحال تدريجيا، فاقتصاد العالم أهم من فيروس خارج عن السيطرة في اعتقادهم! وأهم من الصحة بمعنى آخر، ومن يرد البقاء فالمسؤولية تقع عليه، ولأن جُعبة العالم المالية شارفت على الإفلاس، فلا يضر أن نتنازل عن مبادئنا وقيمنا لإنعاش الاقتصاد مرة أخرى! والأهم من كل شيء في هذا العالم هو الدراهم يا صديقي، أنسيت؟ وقيل: "لتعرف حقيقة أحدهم، جرده مما يُحب"، ولأن المال عشق الكثيرين فلا فيروس ولا وباء ولا وفاء ولا مبدأ يحول بينهم وبين حبهم لجيوبهم وأرصدتهم. بعضهم باع ذمته من أجل غسل ملايين قذرة دونما تأنيب ضمير، أتستغرب ممن باع دينه لمصالحة بني قريظة وبني النضير؟ أيا ليت هذا العام ينتهي بسرعة، فما عاد هنالك حيز لتحمل مباغتات أكثر! ويا فلسطين أنت القلب الذي تأبى الروح غدره، معكِ لآخر نفس يا مسرى نبي الله الأمين وحضارات يشهد لها جل العالمين، معكِ بفطرة لم تشوهها أيدي الطامعين، ولن يغيرها موقف المحيطين والمجاورين، معك للأبد يا بلد السلام والزيتون.