عجز الميزانية العامة والإصلاحات المطلوبة

لا شك أن العجز التاريخي في الموازنة العامة للسنة الحالية 2020-2021، والذي جاء نتيجة لتراجع أسعار النفط بالإضافة إلى تداعيات جائحة كورونا، وما نتج عن ذلك من انكماش للأنشطة الاقتصادية المحلية وزيادة في الأعباء المالية على الدولة نتيجة لهذه الجائحة، كان السبب الرئيس لطرح الحكومة مشروع الدين العام، خشية أن عدم اتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة لتغطية هذا العجز من المرشح أن يكون له نتائج سلبية وخيمة على الاقتصاد الكويتي، مثل ارتفاع تكلفة الاقتراض، وانخفاض الاستثمارات الأجنبية، وانخفاض أسعار الصرف للدينار، هذا بالإضافة إلى الآثار التضخمية المحتملة لذلك على الاقتصاد، ولعل تخفيض وكالة ستاندرد أند بورز الأخير للتصنيف الائتماني السيادي للكويت ما هو إلا بداية لمثل هذه الآثار السلبية المحتملة.

وبصرف النظر عن وجهات النظر المؤيدة والمعارضة لمشروع الدين الحكومي المقترح، لا شك أن الجدل الحالي حول مشروع الدين العام بين الاقتصاديين والسياسيين يجرنا إلى الحديث عن أسباب العجز في الميزانية العامة، وعن الحاجة الى تسليط الضوء حول الاختلالات المنهجية في الآلية المتبعة حاليا لإعداد وتنفيذ الميزانية العامة والرقابة عليها، والتي يرى الكثيرون أنها كانت من الأسباب الرئيسة لسوء الإدارة التي تعانيها المالية العامة للدولة، وأنها لم تعد صالحة للاستخدام، وأضحت بحاجة الى الكثير من الإصلاح والتطوير.

ولكن الحديث عن أهم الخطوات اللازمة لمعالجة العجز المتوقع في الميزانية العامة لابد أن يكون مقترنا بالحديث عن الحاجة للعمل على ترشيد النفقات العامة وتنويع مصادر الإيرادات العامة، والذي لا يمكن تصوره على أرض الواقع دونما تطبيق جدي لمفاهيم العائد على الإنفاق، وانتهاج مبادئ وقواعد موازنة الأداء، وتعزيز مفاهيم الكفاءة والفاعلية عند إعداد وتنفيذ والرقابة على الميزانية العامة، والتي بدورها لا يمكن تطبيقها دون تطبيق سليم وجاد لقواعد الحوكمة والإدارة الرشيدة وتفعيل أدوات المساءلة وتقييم الأداء في القطاع العام، كما أن الحديث عن إصلاح الإدارة المالية للدولة لا يمكن أن يقتصر على جانب ترشيد النفقات العامة فقط، ولكنه أيضا ينبغي أن يشتمل على خطط وبرامج محددة وواضحة لتعظيم الإيرادات العامة، والإسراع باتخاذ البرامج الجادة لتنويع مصادر الدخل، وانتهاج نموذج اقتصادي أكثر متانة واستدامة.