نشر الأسبوع الماضي قرار الجمعية العمومية للمجموعة العربية للتأمين "أريج" بتصفية أعمالها بعد مرور 40 عاما على تأسيسها، وقد ساهمت مع آخرين بوضع لبناتها الأولى، وكان الطموح والاستعداد أن تكون في مصاف أكبر شركات إعادة التأمين في العالم. لقد أحدث إنشاؤها عام 1980 ضجة كبرى في أسواق التأمين العالمية بين داعم ومتردد ومتخوف وساخر، ففي السنة الثانية من التأسيس دُعي للبحرين معظم الرؤساء والمديرين العامين لشركات التأمين في العالم لحضور احتفالية الافتتاح الرسمي لأريج، وكان حدثا من أكبر الأحداث التي شاهدتها البحرين، وجاء على رأس المدعوين رئيس لويدز وكبار رجال التأمين في أوروبا وأميركا وآسيا وإفريقيا، وبالطبع رجال التأمين في البلاد العربية.
وكانت تلك بداية لافتة وضعت "أريج" في بداية سنتها الثانية مع المعيدين الكبار، وكان استقبال المؤمنين العرب دافعا قويا لانتشار نشاط الشركة، وتهيب المنافسين من مستقبلها، وكانت الأحلام كبيرة والعمل ليلا ونهارا في بناء الكفاءات المطلوبة وإعداد الكوادر المحلية ووضع النظم الحديثة ورسم خريطة الطريق الطموحة دون استعجال أو مغامرة.حين دعاني الأخ خليل الشامي لأتولى عملية البناء قلت له إني لا أفهم شيئا في التأمين، فأخبرني أنه وغيره في مجلس الإدارة من العاملين في مجال التأمين سيكونون هناك لوضع أسس التأمين وقواعده، وأن عليّ البدء باختيار كفاءات عربية وعالمية تكون مهمتها اختيار وتقييم الأعمال التأمينية الجيدة وتدريب الكوادر المحلية من البحرين، مقر المجموعة، في البداية ومن الكويت والإمارات ثم من ليبيا. وفي نهاية العام الثاني كانت المجموعة قد حققت كثيرا من أهداف التأسيس، وبدأ الاسم يأخذ مكانه في الأسواق العالمية، إلا أن المأمول كان أكبر من ذلك، ويحتاج لنفس طويل وجهد متواصل أكبر، كان الخوف منذ البداية أن تنحرف عن مسارها وأن تطغى المغامرة ورغبة الربح السريع على الدقة والالتزام بالأهداف والأغراض الرئيسة والأساسية للمجموعة.تركت المجموعة بعد سنتين وتولى الأخ خليل الشامي رئاسة مجلس إدارتها الذي حافظ على خطة العمل والتطوير مع زملائه فخري العنيزي وأحمد الطاير، ثم جاءت إدارات بعدهم، واستمرت طوال السنوات الأربعين الماضية، تغيرت فيها كثير من الأحوال، وتغلب الطموح والرغبة في الكسب السريع على الهدف الأساسي وهو بناء شركة إعادة تأمين عالمية، وتغيرت ملكية الشركة فبعد أن كانت مملوكة بالتساوي بالكامل لحكومات الإمارات العربية والكويت وليبيا أصبحت الآن غالبية الملكية للإمارات العربية حكومة وأفرادا وتقلصت نسبة ملكية ليبيا والكويت. كنت أتابع ما يجري من بعد، ولكني ظللت آمل أن تعود المجموعة لمكانتها وخطتها الأساسية، وأن أي خلل يمكن لإدارة حصيفة أن تصلحه حتى لو تكبدت بعض الخسائر، لكن أن تتم تصفيتها فهذا ما لم أتوقعه أو يتوقعه أي من الإخوة الذين شاركوا في بنائها. كان بإمكان الملاك بيع حصصهم لمن يستطيع إعادة بنائها، وكان من الممكن نقلها من البحرين إن كان لوجودها هناك دور في خسائرها، وقد حدث هذا في شركات أخرى مثل الاستثمارات الخليجية التي نقلت للكويت وأصبحت الاستثمارات الوطنية، وتمت استعادة نشاطها، وكان بإمكان الملاك إعادة تشكيل إدارتها والخروج من أي استثمارات أثقلت المجموعة ولم تأت لها بغير الخسائر، كان أمام الملاك الكثير مما يمكن عمله غير تصفيتها خصوصا أن الإمارات العربية تدير كبريات الشركات ونجحت في العديد منها، لكنهم اتخذوا قرارهم بالتصفية ونسفوا بذلك جهد أربعين عاما وتركوا حسرة في قلوب المؤسسين وكل من ساهم في وضع لبنة في بنائها.فهل فات الوقت لإنقاذها؟
مقالات
هل يمكن إنقاذ «أريج»؟
30-08-2020