شيء غريب حقاً ألا تهتز صورته ولا تتأثر بشيء بعد كل الروايات والكتب الصادمة التي تناولت حياة وسيرة رئيس أكبر دولة عظمى في العالم، وما لا نفهمه نحن شعوب الشرق الأوسط أن أميركا هي فعلاً دولة المعجزات والخرافات، هذا بخلاف كونها "دولة الفرص" للمهاجرين إليها! كان ينقص حملة الانتخابات الرئاسية اصطفاف السيدة ميلانيا وهي الزوجة الثالثة، إلى جانبه متباهية وبطريقة مضحكة، بأداء إدارته لوباء كورونا، رغم أن العالم يدرك حجم الفشل الذي تسبب به وجعل أميركا تتقوقع على ذاتها، في مواجهة فيروس ألحق أضراراً بالاقتصاد تفوق الأضرار التي ألحقتها أزمة 2008 وأودت بحياة 183 ألف مواطن حتى الآن، وإصابة 6 ملايين!

أمر محير إصرار الحزب الجمهوري على إعادة ترشيحه رئيساً لفترة جديدة، تعرض إلى نشر "غسيله" على الهواء وقيل فيه وعنه ما لم يقله مالك في الخمر، ومع ذلك لم تثنه عن مواجهة خصومه الديمقراطيين وبكل عنجهية وكأن ما تناولته الكتب الثمانية تخص شخصاً آخر غيره! يسعى إلى الشهرة وليس مهما على حساب ماذا ومن سيدفع الثمن! طالما كانت الغنيمة الكبرى هي الهدف المنشود! إذ لم يتعرض رئيس أميركي من قبل لهذا الكم من الفضائح والسقطات مثلما الحال معه، وفي كتب تم تداولها وبيعها لم يستطع القضاء أو الرقابة منعها بل أجيزت بحكم القانون.

Ad

26 تصرفاً استحق عليها العزل قدمها مجلس النواب الأميركي، كان من بينها إعلان المدعية العامة في نيويورك إجباره على دفع مليوني دولار بسبب إساءة استخدامه للأموال الخيرية من أجل تحقيق مكاسب سياسية شخصية فمؤسسة (Trump Foundation) أغلقت بسبب سوء السلوك ولا يبدو أنه مناسب لإدارة جامعة أو مؤسسة خيرية، فكيف يكون مناسباً لإدارة البلاد؟

أكثر من دعوى اغتصاب رفعت ضده في المحاكم، وروايات نشرت عن تلك الحوادث من نساء ارتبطت معه بعلاقات خاصة، من خبيرة تجميل إلى صحافية وأخرى تعمل في إدارته! ومع ذلك بقي صامداً.

أمامي في قراءات لعدد من الكتب استهدفته وهو في موقعه الرئاسي وأحدثت ضجة عالمية عند النشر، من شأنها إسقاط حكومات بأكملها نظراً لما تضمنته من شهادات موثقة تشكل جملة إدانات بحقه، لكنها مرّت مثل الزوبعة في فنجان!

أحدث الكتب بعنوان "نظرية الرجل المجنون" يشرح فيه "جيم سكيوتو"، أسرار تصرفاته الغريبة ويقدم فيها خلاصة مفادها، وكما ورد في الزميلة "القبس" أن هذا الجنون والتقلبات لها هدف واحد شخصي تماماً! ثم يكمل شرحه بالقول إن الرجل المجنون لا يحب الحرب، ويقيس خياراته العسكرية بمؤشر القيمة المالية! فقد خط نهجاً يفسر أربع سنوات من الفوضى! المفارقة أنه يملك جاذبية لدى قاعدته الجماهيرية كرجل أبيض لم تتأثر بتلك الروايات المتداولة فما زال هناك 71% من البروتستانت الإنجيليين يوافقون على أدائه!

كتاب مايكل وولف، أغضب ترامب وحقق مبيعات خيالية "نار وغضب: داخل بيت ترامب الأبيض" يصوره على أنه "جبان وغير مستقر وعديم الخبرة" في تدبير شؤون الولايات المتحدة الأميركية.

قبله رمتْ مديرة مكتبه (2017-2018) والمستشارة قنبلة بوجهه من العيار الثقيل بإصدارها كتاب "المعتوه... مشاهد من بيت ترامب الأبيض" وصفته بأنه "عنصري" ويكرر مراراً كلمة "زنجي" في برنامج "ذا أبرنتس". ولعل كتاب ابنة شقيقته، ماري ترامب، كان بمثابة الصدمة ففيه تشخيص لنوازعه وتصرفاته بكونها على معرفة لصيقة بحياته الأسرية، وبأنه "نرجسي" يهدد حياة الأميركيين، فهو أكثر رجل خطورة في العالم خرج من أسرتها، قالت عنه "إنه صاحب شخصية ضعيفة مغرور بنفسه، هش لا يملك أي شيء يدعيه".

سبق ذلك كتاب "عبقري متوازن للغاية" للصحافيين في "الواشنطن بوست" فيليب راكر وكارول ليونيغ يسلطان فيه الضوء على جهله بالمعلومات التاريخية والجغرافية، يصل إلى حد عدم المعرفة بأن هناك حدوداً مشتركة بين الهند والصين، وعندما سمع بعبارة "بيرل هاربر" فهم أنه سيزور موقع معركة عسكرية!

أما كتاب مستشار الأمن القومي جون بولتون فقد أحدث دوياً هائلاً على المستوى الأميركي والعالم وهو بعنوان "الغرفة التي حدث فيها ذلك.. مذكرات البيت الأبيض"، فما رآه ورصده خلال 453 يوماً من العمل إلى جوار الرئيس يهز عرش الديمقراطيات الغربية.

وعلى المسار نفسه جاء كتاب بوب وودورد "الخوف" وفيه أن بعض مستشاريه سعوا للعمل في البيت الأبيض لمحاولة السيطرة على رئيس زئبقي لا يمكن توقع قراراته.

زحمة الكتب التي طاردته جعلته يكره شيئاً اسمه الكتب، فقد تجاوزت الخطوط الحمراء ولم تترك وصفاً شائناً إلا ونعتته به، لكن هذه الكتب كانت تصطدم بصخرة حديدية وبشخصية سعت إلى الشهرة وتحقق لها ما أرادت، ولم تنحنِ أو تتراجع بل زادته صلابة وحصد تأييداً من مناصريه ومحبيه.

وكما وصفه "مايكل كرانش ومارك فيشر" فهذا الرجل بات بلا قناع، في رحلة من الطموح والغرور والمال والنفوذ! وعلى الأرجح ستتوقف عجلة السلام والاستقرار في المنطقة على من سيفوز بالرئاسة، وعلى حجم الحضور الأميركي في الشرق الأوسط، وهل ستواصل الإدارة الأميركية الجديدة انسحابها منها أم سنشهد نوعاً جديداً من العلاقات الاستراتيجية؟

كل ذلك بانتظار الثالث من نوفمبر القادم.